الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ أَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ } * { فَوَقَعَ ٱلْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ وَٱنقَلَبُواْ صَاغِرِينَ } * { وَأُلْقِيَ ٱلسَّحَرَةُ سَاجِدِينَ } * { قَالُوۤاْ آمَنَّا بِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { رَبِّ مُوسَىٰ وَهَارُونَ } * { قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنتُمْ بِهِ قَبْلَ أَن آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَـٰذَا لَمَكْرٌ مَّكَرْتُمُوهُ فِي ٱلْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُواْ مِنْهَآ أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ } * { لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِّنْ خِلاَفٍ ثُمَّ لأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ }

{ أن } في موضع نصب بـ { أوحينا } أي بأن ألق، ويحتمل أن تكون مفسرة بمعنى أي فلا يكون لها موضع من الإعراب، وروي أن موسى لما كان يوم الجمع خرج متكئاً على عصاه ويده في يد أخيه وقد صف له السحرة في عدد عظيم حسبما ذكر، فلما ألقوا واسترهبوا أوحى الله إليه، فألقى فإذا هي ثعبان مبين، فعظم حتى كان كالجبل، وقيل إنه طال حتى جاز النيل، وقيل كان الجمع بالإسكندرية وطال حتى جاز مدينة البحيرة، وقيل كان الجمع بمصر وإنه طال حتى جاز بذنبه بحر القلزم.

قال القاضي أبو محمد: وهذا قول بعيد من الصواب مفرط الإغراق لا ينبغي أن يلتفت إليه، وروي أن السحرة لما ألقوا وألقى موسى عصاه جعلوا يرقون وجعلت حبالهم وعصيهم تعظم وجعلت عصى موسى تعظم حتى سدت الأفق وابتلعت الكل ورجعت بعد ذلك عصا فعندها آمن السحرة، وروي أن عصا موسى كانت عصا آدم عليهما السلام وكانت من الجنة، وقيل كانت من العين الذي في وسط ورق الريحان، وقيل كانت غصناً من الخبيز أو قيل كانت لها شعبتان وقيل كانت عصا الأنبياء مختزنة عند شعيب فلما استرعى موسى قال له اذهب فخذ عصا فذهب إلى البيت فطارت هذه إلى يده فأمره شعيب بردها وأخذ غيرها ففعل فطارت هي إلى يده فأخبر بذلك شعيباً وتركها له، وقال ابن عباس: إن ملكاً من الملائكة دفع العصا إلى موسى في طريق مدين، و { تلقف } معناه تبتلع وتزدرد، و { ما يأفكون } معناه: ما صوروا فيه إفكهم وكذبهم، وقرأ جمهور الناس " تلقف " ، وقرأ عاصم في رواية حفص " تلْقَف " بسكون اللام وفتح القاف، وقرأ ابن كثير في بعض ما روي عنه " هي تلقف " بتشديد التاء على إدغام التاء من تتلقف، وهذه القراءة لا تترتب إلا في الوصول، وأما في الابتداء في الفعل فلا يمكن، وقرأ سعيد بن جبير " تلقم " بالميم أي تبتلع كاللقمة، وروي أن الثعبان استوفى تلك الحبال والعصي أكلاً وأعدمها الله عز وجل، ومد موسى يده إلى فمه فعاد عصا كما كان، فعلم السحرة حينئذ أن ذلك ليس من عند البشر فخروا سجداً مؤمنين بالله ورسوله.

وقوله تعالى: { فوقع الحق } الآية، " وقع " معناه نزل ووجد، و { الحق } يريد به سطوع البرهان وظهور الإعجاز واستمر التحدي إلى الدين على جميع العالم، و { ما كانوا يعلمون } لفظ يعم سحر السحرة وسعي فرعون وشيعته.

والضمير في قوله { فغلبوا } عائد على " جميعهم " من سحرة وسعي فرعون وشيعته، وفي قوله { وانقلبوا صاغرين } إن قدرنا انقلاب الجمع قبل إيمان السحرة فهم في الضمير وإن قدرناه بعد إيمانهم فليسوا في الضمير ولا لحقهم صغار يصفهم الله به لأنهم آمنوا واستشهدوا رضي الله عنهم.

السابقالتالي
2