الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ ٱلْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ } * { يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ } * { قَالُوۤاْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي ٱلْمَدَآئِنِ حَاشِرِينَ } * { يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ } * { وَجَآءَ ٱلسَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالْوۤاْ إِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ ٱلْغَالِبِينَ } * { قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ ٱلْمُقَرَّبِينَ } * { قَالُواْ يٰمُوسَىٰ إِمَّآ أَن تُلْقِيَ وَإِمَّآ أَن نَّكُونَ نَحْنُ ٱلْمُلْقِينَ } * { قَالَ أَلْقُوْاْ فَلَمَّآ أَلْقَوْاْ سَحَرُوۤاْ أَعْيُنَ ٱلنَّاسِ وَٱسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَآءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ }

الساحر كان عندهم في ذلك الزمن أعلى المراتب وأعظم الرجال، ولكن وصفهم موسى بذلك مع مدافعتهم له عن النبوة ذم عظيم وحط، وذلك قصدوا إذ لم يمكنهم أكثر، وقولهم { يريد أن يخرجكم من أرضكم } يعنون بأنه يحكم فيكم بنقل رعيتكم في بني إسرائيل فيفضي ذلك إلى خراب دياركم إذا ذهب الخدمة والعمرة، وأيضاً فلا محالة أنهم خافوا أن يقاتلهم وجالت ظنونهم كل مجال، وقال النقاش: كانوا يأخذون من بني إسرائيل خرجاً كالجزية فرأوا أن ملكهم يذهب بزوال ذلك، وقوله { فماذا تأمرون } الظاهر أنه من كلام الملأ بعضهم إلى بعض، وقيل هو من كلام فرعون لهم، وروى كردم عن نافع " تأمرونِ " بكسر النون، وكذلك في الشعراء و " في " استفهام و " ذا " بمعنى الذي فهما ابتداء وخبر، وفي { تأمرون } ضمير عائد على الذي تقديره تأمرون به ويجوز أن تجعل { ماذا } بمنزلة اسم واحد في موضع نصب بـ { تأمرون } ولا يضمر فيه على هذا، قال الطبري: والسحر مأخوذ من سحر المطر الأرض إذا جادها حتى يقلب نباتها ويقلعه من أصوله فهو يسحرها سحراً والأرض مسحورة.

قال القاضي أبو محمد: وإنما سحر المطر الطين إذا أفسده حتى لا يمكن فيه عمل، والسحر الآخذة التي تأخذ العين حتى ترى الأمر غير ما هو، وربما سحر الذهن، ومنه قول ذي الرمة: [الوافر]

وساحرة السراب من الموامي   يرقص في نواشزها الأروم
أراد أنه يخيل نفسه ماء للعيون.

ثم أشار الملأ على فرعون بأن يؤخر موسى وهارون ويدع النظر في أمرهما ويجمع السحرة من كل مكان حتى تكون غلبة موسى بحجة واضحة معلومة بينة، وقرأ ابن كثير " أرجئهو " بواو بعد الهاء المضمومة وبالهمز قبل الهاء، وقرأ أبو عمرو " أرجئه " بالهمز، دون واو بعدها وقرأ نافع وحده في رواية قالون: " أرجهِ " بكسر الهاء، ويحتمل أن يكون المعنى: أخره فسهل الهمزة، ويحتمل من الرجا بمعنى أطعمه ورجه قاله المبرد، وقرأ ورش عن نافع: " أرجهِي " بياء بعد كسرة الهاء، وقرأ ابن عامر: " أرجئهِ " بكسر الهاء وبهمزة قبلها، قال الفارسي وهذا غلط وقرأ عاصم والكسائي " أرجهُ " بضم الهاء دون همز، وروى أبان عن عاصم: " أرجهْ " بسكون الهاء وهي لغة تقف على هاء الكناية إذا تحرك ما قبلها، ومنه قول الشاعر: [منظور بن حبة الأسدي]
أنحى عليًّ الدهرُ رجلاً ويدا   يقسم لا أصلَحَ إلا أفسدا
فيصلح اليوم ويفسد غداً.

وقال الآخر:

لما رأى أن لا دعة ولا شبع   مال إلى أرطاة حقق فاضطجع
وحكى النقاش أنه لم يكن يجالس فرعون ولد غية وإنما كانوا أشرافاً ولذلك أشاروا بالإرجاء ولم يشيروا بالقتل وقالوا: إن قتلته دخلت على الناس شبهة ولكن اغلبه بالحجة، و { المدائن } جمع مدينة وزنها فعيلة من مدن أو مفعلة من دان يدين وعلى هذا يهمز مدائن أو لا يهمز، و { حاشرين } معناه جامعين، قال المفسرون: وهم الشرط، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر " بكل ساحر " وقرأ حمزة والكسائي: " بكل سحار " على بناء المبالغة وكذلك في سورة يونس، وأجمعواعلى " سحار " في سورة الشعراء، وقال قتادة: معنى الإرجاء الذي أشاروا إليه السجن والحبس.

السابقالتالي
2