الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَىٰ بِآيَٰتِنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ فَظَلَمُواْ بِهَا فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { وَقَالَ مُوسَىٰ يٰفِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { حَقِيقٌ عَلَىٰ أَنْ لاَّ أَقُولَ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } * { قَالَ إِن كُنتَ جِئْتَ بِآيَةٍ فَأْتِ بِهَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } * { فَأَلْقَىٰ عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ } * { وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَآءُ لِلنَّاظِرِينَ }

الضمير في قوله { من بعدهم } عائد على الأنبياء المتقدم ذكرهم وعلى أممهم، و " الآيات " في هذه الآية عام في التسع وغيرها، وقوله { فظلموا بها } المعنى فظلموا أنفسهم فيها وبسببها وظلموا أيضاً مظهرها، ومتبعي مظهرها وقيل لما نزلت ظلموا منزلة كفروا وجحدوا عديت بالباء كما قال: [الفرزدق]
قد قتل الله زياداً عني   
فأنزل قتل منزلة صرف، ثم حذر الله من عاقبة المفسدين الظالمين وجعلهم مثالاً يتوعد به كفرة عصر النبي صلى الله عليه وسلم.

و { فرعون } اسم كل ملك لمصر في ذلك الزمان فخاطبه موسى بأعظم أسمائه وأحبها إليه إذ كان من الفراعنة كالنمارذة في يونان وقيصر في الروم وكسرى في فارس والنجاشي في الحبشة، وروي أن موسى بن عمران بن فاهت بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن، وروي أن اسم فرعون موسى عليه السلام الوليد بن مصعب، وقيل هو فرعون يوسف وأنه عمر نيفاً وأربعمائة سنة.

قال القاضي أبو محمد: ومن قال إن يوسف المبعوث الذي أشار إليه موسى في قولهولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات } [غافر:34] هو غير يوسف الصديق فليس يحتاج إلى نظر، ومن قال إنه يوسف الصديق فيعارضه ما يظهر من قصة يوسف، وذلك أنه ملك مصر بعد عزيزها، فكيف يستقيم أن يعيش عزيزها إلى مدة موسى، فينفصل أن العزيز ليس بفرعون الملك إنما كان حاجباً له.

وقرأ نافع وحده { عليّ } بإضافة " على " إليه، وقرأ الباقون " على " سكون الياء، قال الفارسي: معنى هذه القراءة أن " على " وضعت موضع الباء، كأنه قال حقيق بأن لا أقول على الله الحق كما وضعت الباء موضع " على " في قولهولا تقعدوا بكل صراط } [الأعراف:86] فيتوصل إلى المعنى بهذه، وبهذه وكما تجيء " على " أيضاً بمعنى عن، ومنه قول الشاعر في صفة قوسه:
أرمي عليها وهي فرع أجمع   وهي ثلاث أذرع وإصبع
قال القاضي أبو محمد: و { حقيق على } هذا معناه جدير وخليق، وقال الطبري: قال قوم: { حقيق } معناه حريص فلذلك وصلت بـ { على } ، وفي هذا القول بعد، وقال قوم: { حقيق } صفة لرسول تم عندها الكلام، وعلى خبر مقدم و { أن لا أقول } ابتداء تقدم خبره، وإعراب { أن } على قراءة من سكن الياء خفض، وعلى قراءة من فتحها مشددة رفع، وقال الكسائي في قراءة عبد الله " حقيق بأن لا أقول " ، وقال أبو عمرو في قراءة عبد الله: " حقيق أن أقول " وبه قرأ الأعمش، وهذه المخاطبة إذا تأملت غاية في التلطف ونهاية في القول اللين الذي أمر عليه السلام به.

السابقالتالي
2