الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ فَتَنَادَوْاْ مُصْبِحِينَ } * { أَنِ ٱغْدُواْ عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ } * { فَٱنطَلَقُواْ وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ } * { أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا ٱلْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِّسْكِينٌ } * { وَغَدَوْاْ عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ } * { فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوۤاْ إِنَّا لَضَآلُّونَ } * { بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } * { قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحُونَ } * { قَالُواْ سُبْحَانَ رَبِّنَآ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ }

{ تنادوا } معناه: دعا بعضهم بعضاً إلى المضي لميعادهم، وقرأ بعض السبعة: " أنُ اغدوا " بضم النون وبعضهم بكسرها، وقد تقدم هذا مراراً. وقولهم { إن كنتم صارمين } ، يحتمل أن يكون من صرام النخل، ويحتمل أن يريد إن كنتم من أهل عزم وإقدام على آرائكم من قولك سيف صارم، و { يتخافتون } معناه: يتكلمون كلاماً خفياً، ومنه قوله تعالى:ولا تخافت بها } [الإسراء: 110]، وكان هذا التخافت خوفاً من أن يشعر بهم المساكين، وكان لفظهم الذي { يتخافتون } به أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين. وقرأ ابن مسعود وابن أبي عبلة: " لا يدخلنها " بسقوط أن، وقوله تعالى: { على حرد } يحتمل أن يريد على منع من قولهم: حاردت الإبل، إذا قلت ألبانها فمنعتها، وحاردت السنة، إذا كانت شهباء لا غلة لها، ومنه قول الشاعر [الكميت]: [الطويل]

وحاردت النكد الجلاد فلم يكن   لعقبة قدر المستعيرين معقب
ويحتمل أن يريد بالحرد القصد، وبذلك فسر بعض اللغويين، وأنشد عليه [القرطبي]: [الرجز]

أقبل سيل جاء من أمر الله   يحرد حرد الحبّة المغله
أي يقصد قصدها، ويحتمل أن يريد بالحرد، الغضب، يقال: حرد الرجل حرداً إذا غضب، ومنه قول الأشهب بن رميلة: [الطويل]

أسود شرى لاقت أسوداً خفية   تساقوا على حرد دماء الأساود
وقوله تعالى: { قادرين } يحتمل أن يكون من القدرة، أي هم قادرون في زعمهم، ويحتمل أن يكون من التقدير كأنهم قد قدروا على المساكين، أي ضيقوا عليهم، ومنه قوله تعالى:ومن قدر عليه رزقه } [الطلاق: 7]، وقوله: { فلما رأوها } أي محترقة حسبوا أنهم قد ضلوا الطريق، وأنها ليست تلك، فلما تحققوها علموا أنها أصيبت، فقالوا: { بل نحن محرومون } ، أي قد حرمنا غلتها وبركتها، فقال لهم أعدلهم قولاً وخلقاً وعقلاً وهو الأوسط، ومنه قوله تعالى:أمة وسطاً } [البقرة: 143] أي عدولاً خياراً، و { تسبحون } ، قيل هي عبارة عن طاعة الله وتعظيمه، والعمل بطاعته. وقال مجاهد وأبو صالح: هي كانت لفظة، الاستثناء عندهم.

قال القاضي أبو محمد: وهذا يرد عليه قولهم: { سبحان ربنا } فبادر القوم عند ذلك وتابوا وسبحوا واعترفوا بظلمهم في اعتقادهم منع الفقراء.