الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ } * { عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ } * { أَن كَانَ ذَا مَالٍ وَبَنِينَ } * { إِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } * { سَنَسِمُهُ عَلَى ٱلْخُرْطُومِ } * { إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُواْ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ } * { وَلاَ يَسْتَثْنُونَ } * { فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ } * { فَأَصْبَحَتْ كَٱلصَّرِيمِ }

قال كثير من المفسرين: الخبر هنا المال، فوصفه بالشح، وقال آخرون: بل هو على عمومه في المال والأفعال الصالحة، ومن يمنع إيمانه وطاعته لله تعالى فقد منع الخير، والمعتدي: المتجاوز لحدود الأشياء. والأثيم: فعيل من الإثم، بمعنى: آثم، وذلك من حيث أعماله قبيحة تكسب الإثم، والعتل: القوي البنية الغليظ الأعضاء المصحح القاسي القلب، البعيد الفهم، الأكول الشروب، الذي هو بالليل جيفة وبالنهار حمار، فكل ما عبر به المفسرون عنه من خلال النقص فعن هذه التي ذكرت بصدر، وقد ذكر النقاش، أن النبي صلى الله عليه وسلم: فسر العتل بنحو هذا، وهذه الصفات كثيرة التلازم، والعتل: الدفع بشدة، ومنه العتلة، وقوله: { بعد ذلك } معناه، بعدما وصفناه به، فهذا الترتيب إنما هو في قول الواصف، لا في حصول تلك الصفات في الموصوف وإلا فكونه عتلاً، هو قبل كونه صاحب خير يمنعه، والزنيم: في كلام العرب، الملصق في القوم وليس منهم، وقد فسر به ابن عباس هذه الآية، وقال مرة الهمداني: إنما ادعاه أبوه بعد ثمان عشرة سنة، يعني الذي نزلت فيه هذه الآية، ومن ذلك قول حسان بن ثابت: [الطويل]

وأنت زنيم نيط في آل هاشم   كما نيط خلف الراكب القدح الفرد
ومنه قول حسان بن ثابت أيضاً: [الطويل]

زنيم تداعاه الرجال زيادة   كما زيد في عرض الأديم الأكارع
فقال كثير من المفسرين: هذا هو المراد في الآية. وذلك أن الأخنس بن شريق كان من ثقيف، حليفاً لقريش. وقال ابن عباس: أراد بـ " الزنيم " أن له زنمة في عنقه كزنمة الشاة، وهي الهنة التي تعلق في عنقها، وما كنا نعرف المشار إليه، حتى نزلت فعرفناه بزنمته. قال أبو عبيدة: يقال للتيس زنيم إذ له زنمتان، ومنه قول الأعرابي في صفة شاته: كأن زنمتيها نتوا قليسية. وروي أن الأخنس بن شريق كان بهذه الصفة كان له زنمة. وروى ابن عباس أنه قال: لما نزلت هذه الصفة، لم يعرف صاحبها حتى نزلت { زنيم } فعرف بزنمته. وقال بعض المفسرين: الزنيم: المريب، القبيح الأفعال. واختلفت القراءة في قوله: { أن كان ذا مال }. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي وحفص عن عاصم وأهل المدينة: " أن كان " على الخبر، وقرأ حمزة: " أأن كان " بهمزتين محققتين على الاستفهام، وقرأ ابن عامر والحسن وابن أبي إسحاق وعاصم وأبو جعفر: " آن كان " على الاستفهام بتسهيل الهمزة الثانية، والعامل في { أن كان } فعل مضمر تقديره: كفر أو جحد أو عند، وتفسير هذا الفعل، قوله: { إذا تتلى عليه } الآية، وجاز أن يعمل المعنى وهو متأخر من حيث كان قوله { أن كان } في منزلة الظرف، إذ يقدر باللام، أي لأن كان، وقد قال فيه بعض النحاة: إنه في موضع خفض باللام، كما لو ظهرت، فكما يعمل المعنى في الظرف المتقدم فكذلك يعمل في هذا، ومنه قوله تعالى:

السابقالتالي
2 3