هذا أيضاً توقيف على أمر لا مدخل للأصنام فيه، والإشارة بالرزق إلى المطر، لأنه عظم الأرزاق، ثم أخبر تعالى عنهم أنهم: { لجوا } وتمادوا في التمنع عن طاعة الله، وهو العتو في نفور، أي بعد عن الحق بسرعة ومبادرة، يقال: نفر عن الأمر نفوراً، وإلى الأمر نفيراً، ونفرت الدابة نفاراً. واختلف أهل التأويل في سبب قوله: { أفمن يمشي مكباً } الآية، فقال جماعة من رواة الأسباب: نزلت مثلاً لأبي جهل بن هشام وحمزة بن عبد المطلب، وقال ابن عباس وابن الكلبي وغيره: نزلت مثلا لأبي جهل بن هشام ومحمد صلى الله عليه وسلم، وقال ابن عباس أيضاً ومجاهد والضحاك: نزلت مثالاً للمؤمنين والكافرين على العموم، وقال قتادة: نزلت مخبرة عن حال القيامة، وإن الكفار يمشون فيها على وجوههم، والمؤمنون يمشون على استقامة، وقيل للنبي: كيف يمشي الكافر على وجهه؟ قال: " إن الذي أمشاه في الدنيا على رجليه قادر على أن يمشيه في الآخرة على وجهه ". قال القاضي أبو محمد: فوقف الكفار على هاتين الحالتين حينئذ، ففي الأقوال الثلاثة الأول المشي مجاز يتخيل، وفي القول الرابع هو حقيقة يقع يوم القيامة ويقال: أكب الرجل، إذا رد وجهه إلى الأرض، وكبه: غبره، قال عليه السلام: " وهل يكب الناس في النار إلا حصائد ألسنتهم " ،فهذا الفعل خلاف للباب: أفعل لا يتعدى وفعل يتعدى، ونظيره قشعت الريح فأقشع، و { أهدى } في هذه الآية أفعل من الهدى، وقرأ طلحة: " أمَن يمشي " بتخفيف الميم، وإفراد { السمع } لأنه اسم جنس يقع للكثير و { قليلاً } نصب بفعل مضمر، و { ما }: مصدرية، وهي في موضع رفع، وقوله: { قليلاً ما تشكرون } يقتضي ظاهره أنهم يشكرون قليلاً، فهذا إما أن يريد به ما عسى أن يكون للكافر من شكر وهو قليل غير نافع، وإما أن يريد جملة فعبر بالقلة كما تقول العرب: هذه أرض قل ما تنبت كذا، وهي لا تنبته بتة، ومن شكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه النعمة " أنه كان يقول في سجوده: " سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره " ، و " ذرأكم " معناه: بثكم والحشر المشار إليه، هو بعث القيامة، وإليه أشار بقوله: { هذا الوعد } فأخبر تعالى أنهم يستعجلون أمر القيامة، ويوقفون على الصدق، في الإخبار بذلك.