الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُنَافِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } * { ٱتَّخَذُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُواّ ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ } * { وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُواْ تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ ٱلْعَدُوُّ فَٱحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ ٱللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ }

فضح الله تعالى بهذه الآية سريرة المنافقين، وذلك أنهم كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم { نشهد إنك لرسول الله } ، وهم في إخبارهم هذا كاذبون، لأن حقيقة الكذب أن يخبر الإنسان بضد ما في قلبه، وكسرت الألف من " إن " في الثلاثة، لدخول اللام المؤكدة في الخبر، وذلك لا يكون مع المفتوحة، وقوله: { نشهد } وما جرى مجراها من أفعال اليقين، والعلم يجاب بما يجاب به القسم، وهي بمنزلة القسم، وقرأ الناس: " أيْمانهم " جميع يمين، وقرأ الحسن بن أبي الحسن بخلاف " إيمانهم " ، بكسر الألف، أي هذا الذي تظهرون، وهذا على حذف مضاف، تقديره: إظهار إيمانهم، والجنة: ما يستتر به في الأجرام والمعاني، وقوله تعالى: { فصدوا } يحتمل أن يكون غير متعد تقول: صد زيد، ويحتمل أن يكون متعدياً كما قال:

صددت الكأس عنا أم عمرو   
والمعنى: صدوا غيرهم ممن كان يريد الإيمان أو من المؤمنين في أن يقاتلوهم وينكروا عليهم، وتلك سبيل الله فيهم، وقد تقدم تفسير نظير هذه الآية، وقوله تعالى: { ذلك } إشارة إلى فعل الله تعالى في فضيحتهم وتوبيخهم، ويحتمل أن تكون الإشارة إلى سوء ما عملوا، فالمعنى ساء عملهم أن كفروا بعد إيمانهم، وقوله تعالى: { آمنوا ثم كفروا } إما أن يريد به منهم من كان آمن ثم نافق بعد صحة من إيمانه، وقد كان هذا موجوداً، وإما أن يريدهم كلهم، فالمعنى ذلك أنهم أظهروا الإيمان ثم كفروا في الباطن أمرهم فسمى ذلك الإظهار إيماناً، وقرأ بعض القراء: " فطبع " على بناء الفعل للفاعل، وقرا جمهور القراء: " فطُبع " بضم الطاء على بنائه للمفعول بغير إدغام. وأدغم أبو عمرو، وقرأ الأعمش: " فطبع الله " ، وعبر بالطبع عما خلق في قلوبهم من الريب والشك وختم عليهم به من الكفر والمصير إلى النار، وقوله تعالى: { وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم، وإن يقولوا تسمع لقولهم } توبيخ لهم لأنهم كانوا رجالاً أجمل شيء وأفصحه، فكان نظرهم يروق وقولهم يخيب، ولكن الله تعالى جعلهم " كالخشب المسندة " ، وإنما هي أجرام لا عقول لها، معتمدة على غيرها، لا تثبت بأنفسها، ومنه قولهم: تساند القوم إذا اصطفوا وتقابلوا للقتال، وقد يحتمل أن يشبه اصطفافهم في الأندية باصطفاف الخشب المسندة وخلوهم من الأفهام النافعة خلو الخشب من ذلك، وقال رجل لابن سيرين: رأيتني في النوم محتضناً خشبة، فقال ابن سيرين: أظنك من أهل هذه الآية وتلا: { كأنهم خشب مسندة }. وقرأ عكرمة وعطية: " يُسمع " مضمومة بالياء، وقرأ نافع وابن عامر وحمزة وعاصم: " خُشُب " بضم الخاء والشين، وقرأ قنبل وأبو عمرو والكسائي: " خُشْب " بضم الخاء وإسكان الشين وهي قراءة البراء بن عازب واختيار ابن عبيد.

السابقالتالي
2