الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلْلَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لاۤ أُحِبُّ ٱلآفِلِينَ } * { فَلَمَّآ رَأَى ٱلْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَـٰذَا رَبِّي فَلَمَّآ أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأَكُونَنَّ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلضَّالِّينَ }

هذه الفاء في قوله { فلما } رابطة جملة ما بعدها وهي ترجح أن المراد بالملكوت هو هذا التفصيل الذي في هذه الآية، و " جن الليل ": ستر وغطى بظلامه، ويقال الجن، والأول أكثر، ويشبه أن يكون الجن والمجن والجنة والجنن وهو القبر مشتقة من جن إذا ستر، ولفظ هذه القصة يحتمل أن تكون وقعت له في حال صباه وقيل بلوغه كما ذهب إليه ابن عباس. فإنه قال: رأى كوكباً فعبده، وقاله ناس كثير إن النازلة قبل البلوغ والتكليف، ويحتمل أن تكون وقعت له بعد بلوغه وكونه مكلفاً، وحكى الطبري هذا عن فرقة وقالت إنه استفهم على جهة التوقيف بغير ألف، قال وهذا كقول الشاعر: [الطويل]

رَقوني وقالوا يا خُوَيْلِدُ لَمْ تُرَعْ   فَقُلْتُ وأنْكَرْتُ الوُجُوهَ هُمُ هُمُ
يريد أهم هم وكما قال الآخر: [الطويل]

لَعَمْرُكَ مَا أدْرِي وإنْ كُنْتُ دَارِياً   شَعِيثُ بْنُ سَهْمٍ أَمْ شَعِيثُ بْنُ منْقرِ
يريد أشعيث.

قال القاضي أبو محمد: والبيت الأول لا حجة فيه عندي وقد حكي أن نمرود جبار ذلك الزمن رأى منجموه أن مولوداً ولد في سنة كذا في عمله، يكون خراب الملك على يديه فجعل يتبع الحبالى ويوكل بهن حراساً فمن وضعت أنثى تركت ومن وضعت ذكراً حمل إلى الملك فذبحه, وأن أم إبراهيم حملت وكانت شابة قوية فسترت حملها فلما قربت ولادتها بعثت تارخ أبا إبراهيم إلى سفر وتحيلت لمضيه إليه ثم خرجت هي إلى غار فولدت فيه إبراهيم وتركته في الغار وقد هيأت عليه، وكانت تفتقده فتجده يغتذي بأن يمص أصابعه فيخرج له منها عسل وسمن ونحوها، وحكي بل كان يغذيه ملك وحكي بل كانت تأتيه بألبان النساء اللاتي ذبح أبناؤهن، فشب إبراهيم أضعاف ما يشب غيره، والملك في خلال ذلك يحس بولادته ويشدد في طلبه فمكث في الغار عشرة أعوام وقيل خمس عشرة سنة، وأنه نظر أول ما عقل من الغار فرأى الكوكب وجرت قصة الآية.

قال القاضي أبو محمد: وجلبت هذه القصص بغاية الاختصار في اللفظ وقصدت استيفاء المعاني التي تخص الآية ويضعف عندي أن تكون هذه القصة في الغار لقوله في آخرهاإني بريء مما تشركون } [الأنعام:78] وهي ألفاظ تقتضي محاجة ورداً على قوم، وحاله في الغار بعيدة عن مثل هذا اللهم إلا أن يتأول في ذلك أنه قالها بينه وبين نفسه، أي قال في نفسه معنى العبارة عنه: يا قوم إني بريء مما تشركون، وهذا كما قال الشاعر: [الرجز]

ثم انثنى وَقَالَ في التّفِكيرِ   إنَّ الحياةَ اليومَ في الكُرُورِ
قال القاضي أبو محمد: ومع هذا فالمخاطبة تبعده، ولو قال يا قوم إني بريء من الإشراك لصح هذا التأويل وقوي، فإن قلنا بأنه وقعت له القصة في الغار في حال الصبوة عدم التكليف على ما ذهب إليه بعض المفسرين ويحتمله اللفظ فذلك ينقسم على وجهين: إما أن يجعل قوله { هذا ربي } تصميماً واعتقاداً وهذا باطل لأن التصميم لم يقع من الأنبياء صلوات الله عليهم وإما أن يجعله تعريضاً للنظر والاستدلال كأنه قال هذا المنير البهي ربي إن عضدت ذلك الدلائل ويجيء إبراهيم عليه السلام كما قال الله تعالى لمحمد عليه السلام:

السابقالتالي
2