المعنى: قل في احتجاجك: أنطيع رأيكم في أن ندعو من دون الله، والدعاء يعم العبادة وغيرها لأن من جعل شيئاً موضع دعائه فإياه يعبد وعليه يتكل { ما لا ينفعنا ولا يضرنا } يعني الأصنام، إذ هي جمادات حجارة وخشب ونحوه، وضرر الأصنام في الدين لا يفهمه الكفار فلذلك قال: { ولا يضرنا } إنما الضرر الذي يفهمونه من نزول المكاره الدنياوية، { ونرد على أعقابنا } تشبيه، وذلك أن المردود على العقب هو أن يكون الإنسان يمشي قدماً وهي المشية الجيدة فيرد يمشي القهقرى، وهي المشية الدنية فاستعمل المثل بها فيمن رجع من خير إلى شر ووقعت في هذه الآية في تمثيل الراجع من الهدي إلى عبادة الأصنام، و { هدانا } بمعنى أرشدنا، قال الطبري وغيره الرد على العقب يستعمل فيمن أمل أمراً فخاب أمله. قال القاضي أبو محمد: وهذا قول قلق وقوله تعالى: { كالذي استهوته الشياطين } الآية الكاف في موضع نصب نعت لمصدر محذوف تقديره رداً كرد الذي و { استهوته } استفعلته بمعنى استدعت هواه وأمالته، قال أبو عبيدة: ويحتمل هويه وهو جده وركوب رأسه في النزوع إليهم، والهوى من هوى يهوي يستعمل في السقوط من علو إلى أسفل، ومنه قول الشاعر:
هوى ابْنِي مِنْ دَار أشرف
فَزَلَّتْ رِجُلُهُ ويَدُه
وهذا المعنى لا مدخل له في هذه الآية إلا أن تتأول اللفظة بمعنى ألقته الشياطين في هوة، وقد ذهب إليه أبو علي وقال: هو بمعنى أهوى كما أن استزل بمعنى أزل. قال القاضي أبو محمد: والتحرير: أن العرب تقول: هوى وأهواه غيره واستهواه بمعنى طلب منه أن يهوي هو أو طلب منه أن يهوي شيئاً، ويستعمل الهوى أيضاً في ركوب الرأس في النزوع إلى الشيء ومنه قوله تعالى:{ فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم } [إبراهيم:37]، ومنه قول شاعر الجن: [السريع]
تهوي إلى مَكّةَ تَبْغي الهُدَى
ما مؤمنُ الجِنّ كأنجاسِها
وهذا المعنى هو الذي يليق بالآية، وقرأ الجمهور من الناس " استهوته الشياطين " وقرأ الحسن " استهوته الشياطون ". وقال بعض الناس: هو لحن، وليس كذلك بل هو شاذ قبيح وإنما هو محمول على قولهم، سنون وأرضون إلا أن هذه في جمع مسلم وشياطون في جمع مكسر فهذا موضع الشذوذ، وقرأ حمزة " استهواه الشياطين " وأمال استهواه، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي والأعمش وطلحة " استهويه الشيطان " بالياء وإفراد الشيطان، وذكر الكسائي أنها كذلك في مصحف ابن مسعود، وقوله: { في الأرض } يحكم بأن { استهوته } إنما هو بمعنى استدعت هويه الذي هو الجد في النزوع و { حيران } في موضع الحال، ومؤنثه حيرى فهو لا ينصرف في معرفة ولا نكرة، ومعناه ضالاً متحيراً وهو حال من الضمير في { استهوته } والعامل فيه { استهوته } ، ويجوز أن يكون من الذي والعامل فيه المقدر بعد الكاف، وقوله { استهوته } يقتضي أنه كان على طريق فاستدعته.