الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيۤ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ } * { قُلْ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } * { مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْمُبِينُ }

قال الطبري وغيره: أمر أن يقول هذه المقالة للكفرة الذين دعوه إلى عبادة أوثانهم، فتجيء الآية على هذا جواباً لكلامهم.

قال القاضي أبو محمد: وهذا التأويل يحتاج إلى سند في أن هذا نزل جواباً وإلا فظاهر الآية لا يتضمنه، والفصيح هو أنه لما قرر معهم أن الله تعالىلمن ما في السماوات والأرض } [الأنعام:12]وله ما سكن في الليل والنهار } [الأنعام:13] وأنه سميع عليم أمر أن يقول لهم على جهة التوبيخ والتوقيف { أغير } هذا الذي هذه صفاته { أتخذ ولياً } بمعنى أن هذا خطأ لو فعلته بين. وتعطي قوة الكلام أن من فعله من سائر الناس بين الخطأ، و { اتخذ } عامل في قوله { أغير } وفي قوله: { ولياً } تقدم أحد المفعولين, والولي لفظ عام لمعبود وغير ذلك من الأسباب الواصلة بين العبد وربه, ثم أخذ في صفات الله تعالى فقال: { فاطر } بخفض الراء نعت لله تعالى، وفطر معناه ابتدع وخلق وأنشأ وفطر أيضاً في اللغة: شق، ومنههل ترى من فطور } [الملك:3] أي من شقوق، ومن هذا انفطار السماء، وفي هذه الجهة يتمكن قولهم فطر ناب البعير إذا خرج لأنه يشق اللثة، وقال ابن عباس ما كنت أعرف معنى { فاطر السماوات } حتى اختصم إليّ أعرابيان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها أي اخترعتها وأنشأتها.

قال القاضي أبو محمد: فحمله ابن عباس على هذه الجهة، ويصح حمله، على الجهة الأخرى أنه شق الأرض والبئر حين احتفرها، وقرأ ابن أبي عبلة: " فاطرُ " برفع الراء على خبر ابتداء مضمر أو على الابتداء { يطعم ولا يطعم } المقصود به يرزق ولا يرزق، وخص الإطعام من أنواع الرزق لمسّ الحاجة إليه وشهرته واختصاصه بالإنسان، وقرأ يمان العماني وابن أبي عبلة " يُطعِم " بضم الياء وكسر العين في الثاني مثل الأول يعني الوثن أنه لا يطعم وقرأ مجاهد وسعيد بن جبير والأعمش وأبو حيوة وعمرو بن عبيد وأبو عمرو بن العلاء في رواية عنه في الثاني " ولا يَطعم " بفتح الياء على مستقبل طعم فهي صفة تتضمن التبرية أي لا يأكل ولا يشبه المخلوقين، وقوله تعالى: { قل إني أمرت } إلى { عظيم } قال المفسرون: المعنى أول من أسلم من هذه الأمة وبهذه الشريعة، ولا يتضمن الكلام إلا ذلك، قال طائفة: في الكلام حذف تقديره: وقيل لي ولا تكونن من الممترين.

قال القاضي أبو محمد: وتلخيص هذا أنه عليه السلام أمر فقيل له كن أول من أسلم ولا تكونن من المشركين فلما أمر في الآية أن يقول ما أمر به جاء بعض ذلك على المعنى وبعضه باللفظ بعينه ولفظة { عصيت } عامة في أنواع المعاصي، ولكنها هاهنا إنما تشير إلى الشرك الذي نهي عنه، واليوم العظيم هو يوم القيامة وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم " من يُصرَف عنه " بضم الياء وفتح الراء، والمفعول الذي أسند إليه الفعل هو الضمير العائد على العذاب فهو مقدر، وقرأ حمزة والكسائي وعاصم أيضاً: " من يصرف عنه " فيسند الفعل إلى الضمير العائد إلى { ربي } ويعمل في ضمير العذاب المذكور آنفاً لكنه مفعول محذوف وحكي أنه ظهر في قراءة عبد الله وهي " من يصرفه عنه يومئذ " ، وفي قراءة أبيّ بن كعب " من يصرفه الله عنه " وقيل: إنها من يصرف الله عنه، قال أبو علي وحذف هذا الضمير لا يحسن كما يحسن حذف الضمير من الصلة، كقوله عز وجل:

السابقالتالي
2