الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى ٱلْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى ٱلَّذِيۤ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ بِلِقَآءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ }

{ ثم } في هذه الآية إنما مهلتها في ترتيب القول الذي أمر به محمد صلى الله عليه وسلم كأنه قال ثم مما قضيناه أنا آتينا موسى الكتاب، ويدعو إلى ذلك أن موسى عليه السلام متقدم بالزمان على محمد صلى الله عليه وسلم وتلاوته ما حرم الله، و { الكتاب } التوراة، و { تماماً } نصب على المصدر، وقوله { على الذي أحسن } مختلف في معناه فقالت فرقة { الذي } بمعنى الذين، و { أحسن } فعل ماض صلة " الذين " ، وكأن الكلام وآتينا موسى الكتاب تفضلاً على المحسنين من أهل ملته وإتماماً للنعمة عندهم، هذا تأويل مجاهد، وفي مصحف عبد الله " تماماً على الذين أحسنوا " ، فهذا يؤيد ذلك التأويل، وقالت فرقة { الذي } غير موصولة، والمعنى تماماً على ما أحسن هو من عبادة ربه والاضطلاع بأمور نبوته،يريد موسى عليه السلام، هذا تأويل الربيع وقتادة، وقالت فرقة: المعنى { تماماً } أي تفضلاً وإكمالاً على الذي أحسن الله فيه إلى عباده من النبوءات والنعم وغير ذلك، وفـ { الذي } أيضاً في هذا التأويل غير موصولة، وهذا تأويل ابن زيد.

وقرأ يحيى بن يعمر وابن إسحاق " تماماً على الذي أحسنُ " بضم النون، فجعلها صفة تفضيل ورفعها على خبر ابتداء مضمر تقديره " على الذي هو أحسن " وضعف أبو الفتح هذه القراءة لقبح حذف المبتدأ العائد، وقال بعض نحويي الكوفة يصح أن يكون { أحسن } صفة لـ { الذي } من حيث قارب المعرفة إذ لا تدخله الألف واللام كما تقول العرب مررت بالذي خير منك ولا يجوز فالذي عالم، وخطأ الزجاج هذا القول الكوفي، و { تفصيلاً } يريد بياناً وتقسيماً و { لعلهم } ترج بالإضافة إلى البشر، و { بلقاء ربهم } أي بالبعث الذي الإيمان به نهاية تصديق الأنبياء صلوات الله عليهم، إذ لا تلزمه العقول بذواتها وإنما ثبت بالسمع مع تجويز العقل له.