الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَرَبُّكَ ٱلْغَنِيُّ ذُو ٱلرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُمْ مَّا يَشَآءُ كَمَآ أَنشَأَكُمْ مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ } * { إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَآ أَنتُم بِمُعْجِزِينَ } * { قُلْ يَٰقَوْمِ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنَّي عَامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَٰقِبَةُ ٱلدَّارِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّٰلِمُونَ }

{ الغني } صفة ذات لله عز وجل لأنه تبارك وتعالى لا يفتقر إلى شيء من جهة من الجهات، ثم تليت هذه الصفة بقوله { ذو الرحمة } فأردف الاستغناء بالتفضل وهذا أجمل تناسق، ثم عقب بهذه الألفاظ المضمنة الوعيد المحذرة من بطش الله عز وجل في التعجيل بذلك وأما مع المهلة ومرور الجديدين، فكذلك عادة الله في الخلق، وأما " الاستخلاف " فكما أوجد الله تعالى هذا العالم الآدمي بالنشأة من ذرية قوم متقدمين أصلهم آدم عليه السلام، وقرأت الجماعة " ذُرِّية " بضم الذال وشد الراء المكسورة، وقرأ زيد بن ثابت الذال وكذلك في سورة آل عمران وحكى أبو حاتم عن أبان بن عثمان أنه قرأ " ذَرِية " بفتح الذال وتخفيف الراء المكسورة، وحكى عنه أبو الزناد أنه قرأ على المنبر " ذَرْية " بفتح الذال وسكون الراء على وزن فعلة، قال فسألته فقال أقرأنيها زيد بن ثابت، و { من } في قوله { من ذرية } للتبعيض وذهب الطبري إلى أنها بمعنى قولك أخذت من ثوبي ديناراً بمعنى عنه وعوضه و { توعدون } مأخوذ من الوعيد بقرينة { وما أنتم بمعجزين } والإشارة إلى هذا الوعيد المتقدم خصوصاً. وأما أن يكون العموم مطلقاً فذلك يتضمن إنفاذ الوعيد، والعقائد ترد ذلك، و { بمعجزين } معناه بناجين هرباً أي يعجزون طالبهم.

ثم أمر الله عز وجل نبيه عليه السلام أن يتوعدهم بقوله { اعملوا } أي فسترون عاقبة عملكم الفاسد، وصيغة افعل هاهنا بمعنى الوعيد والتهديد، و { على مكانتكم } معناه على حالكم وطريقتكم، وقرأ أبو بكر عن عاصم " على مكاناتكم " بجمع المكانة في كل القرآن، وقرأ الجميع بالإفراد في كل القرآن، و { مَنْ } يتوجه أن يكون بمعنى الذي، فتكون في موضع نصب بـ { تعلمون } ، ويتوجه أن يكون استفهاماً في موضع رفع بالابتداء والخبر في قوله { تكون له } ، و { عاقبة الدار } أي مآل الآخرة، ويحتمل أن يراد مآل الدنيا بالنصر والظهور ففي الآية إعلام بغيب، ثم جزم الحكم بـ { إنه لا يفلح الظالمون } أي ينجح سعيهم، وقرأ حمزة والكسائي من " يكون له عاقبة " بالياء ها هنا وفي القصص على تذكير معنى العاقبة.