الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ } * { وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَٰطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ }

أخبر الله عز وجل في هذه الآية أنه لو أتى بجميع ما اقترحوه من إنزال الملائكة وإحياء سلفهم حسبما كان من اقتراح بعضهم أن يحشر قصي وغيره، فيخبر بصدق محمد أو يجمع عليهم كل شيء يعقل أن يحشر عليهم، ما آمنوا إلا بالمشيئة واللطف الذي يخلقه ويخترعه في نفس من شاء لا رب غيره، وهذا يتضمن الرد على المعتزلة في قولهم بالآيات التي تضطر الكفار إلى الإيمان، وقال ابن جريج: نزلت هذه الآية في المستهزئين.

قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: لا يثبت إلا بسند، وقرأ نافع وابن عامر وغيرهما " قِبَلاً " بكسر القاف وفتح الباء، ومعناه مواجهة ومعاينة قاله ابن عباس، وغيره نصبه على الحال، وقال المبرد: المعنى ناحية كما تقول له قبل فلان دين.

قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: فنصبه على هذا هو على الظرف، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي وغيرهم " قُبُلاً " بضم القاف والباء، وكذلك قرأ ابن كثير وأبو عمرو هنا وقرأالعذاب قبلاً } [الكهف:55] مكسورة القاف واختلف في معناه فقال عبد الله بن زيد ومجاهد وابن زيد: " قبل " جمع قبيل أي صنفاً صنفاً ونوعاً نوعاً كما يجمع قضيب على قضب وغيره، وقال الفراء والزجّاج هو جميع قبيل وهو الكفيل " وحشرنا عليهم كل شيء كفلاء " بصدق محمد وذكره الفارسي وضعفه، وقال بعضهم قبل الضم بمعنى قبل بكسر القاف أي مواجهة كما تقول قبل ودبر، ومنه قوله تعالى:قدّ من قبل } [يوسف:26] ومنه قراءة ابن عمرلقبل عدتهن } [الطلاق:1] أي لاستقبالها ومواجهتها في الزمن وقرأ الحسن وأبو رجاء وأبو حيوة " قُبْلاً " بضم القاف وسكون الباء، وذلك على جهة التخفيف.

وقرأ طلحة بن مصرف " قَبْلاً " بفتح القاف وإسكان الباء، وقرأ أبيّ والأعمش " قبيلاً " بفتح القاف وكسر الباء وزيادة ياء، والنصب في هذه كله على الحال، وقوله عز وجل: { ولكن أكثرهم يجهلون } الضمير عائد إلى الكفار المتقدم ذكرهم، والمعنى يجهلون أن الآية تقتضي إيمانهم ولا بد، فيقتضي اللفظ أن الأقل لا يجهل فكان فيهم من يعتقد أن الآية لو جاءت " لم يؤمن إلا أن يشاء الله " له ذلك، وقوله تعالى: { وكذلك جعلنا لكل نبي } الآية، تتضمن تسلية النبي عليه السلام وعرض القدوة عليه، أي إن هذا الذي امتحنت به يا محمد من الأعداء قد امتحن به غيرك من الأنبياء ليبتلي الله أولي العزم منهم، و { عدواً } مفرد في معنى الجمع، ونصبه على المفعول الأول لـ { جعلنا } المفعول الثاني في قوله { لكل نبي } ، و { شياطين } بدل من قوله { عدواً } ، ويصح أن يكون المفعول الأول { شياطين } والثاني { عدواً } ، وقوله { شياطين الإنس والجن } يريد به المتمردين من النوعين الذين هم من شيم السوء كالشياطين، وهذا قول جماعة من المفسرين ويؤيده حديث أبي ذر أنه صلى يوماً فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:

السابقالتالي
2