الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَقْسَمُواْ بِٱللَّهِ جَهْدَ أَيْمَٰنِهِمْ لَئِن جَآءَتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا ٱلآيَٰتُ عِندَ ٱللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَآ إِذَا جَآءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَٰرَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ }

الضمير في قوله { وأقسموا } عائد على المشركين المتقدم ذكرهم و { جهد } نصب على المصدر العامل فيه { أقسموا } على مذهب سيبويه لأنه في معناه، وعلى مذهب أبي العباس المبرد فعل من لفظة، واللام في قوله { لئن } لام موطئة للقسم مؤذنة به، وأما اللام المتلقية للقسم فهي قوله { ليؤمن } و { آية } يريد علامة، وحكي أن الكفار لما نزلتإن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين } [الشعراء:4] أقسموا حينئذ أنها إن نزلت آمنوا فنزلت هذه الآية.

وحكي أنهم اقترحوا أن يعود الصفا ذهباً وأقسموا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو في ذلك فجاءه جبريل فقال له إن شئت أصبح ذهباً فإن لم يؤمنوا هلكوا عن آخرهم معاجلة كما فعل بالأمم إذا لم تؤمن بالآيات المقترحة، وإن شئت أخروا حتى يتوب تائبهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل حتى يتوب تائبهم ونزلت هذه الآية، وقرأ ابن مصرف " ليؤَمنَنْ " بفتح الميم والنون وبالنون الخفيفة، ثم قال تعالى قل لهم يا محمد على جهة الرد والتخطية إنما الآيات بيد الله وعنده, ليست عندي فتقترح عليّ, ثم قال { وما يشعركم } فاختلف المتأولون فمن المخاطب بقوله { وما يشعركم } ومن المستفهم بـ " ما " التي يعود عليها الضمير الفاعل في " يشعركم " ، فقال مجاهد وابن زيد: المخاطب بذلك الكفار، وقال الفراء وغيره, المخاطب بها المؤمنون، { وما يشعركم } معناه وما يعلمكم وما يدريكم، وقرأ قوم " يشعرْكم " بسكون الراء، وهي على التخفيف، ويحسنها أن الخروج من كسرة إلى ضمة، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية داود الأيادي " إنها " بكسر الألف على القطع واستئناف الإخبار، فمن قرأ " تؤمنون " بالتاء وهي قراءة ابن عامر وحمزة استقامت له المخاطبة أولاً وآخراً للكفار، ومن قرأ " يؤمنون " بالياء وهي قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو والكسائي فيحتمل أن يخاطب أولاً وآخراً المؤمنين، ويحتمل أن يخاطب بقوله { وما يشعركم } الكفار ثم يستأنف الإخبار عنهم للمؤمنين، ومفعول { يشعركم } الثاني محذوف ويختلف تقديره بحسب كل تأويل, وقرأ نافع وعاصم في رواية حفص وحمزة والكسائي وابن عامر " أنها " بفتح الألف، فمنهم من جعلها " أن " التي تدخل على الجمل وتأتي بعد الأفعال كعلمت وظننت وأعمل فيها { يشعركم } ، والتزم بعضهم " أن لا " زائدة في قوله { لا يؤمنون } وأنّ معنى الكلام وما يشعركم أنها إذا جاءت يؤمنون أو تؤمنون فزيدت لا كما زيدت في قولهوحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون } [الأنبياء: 95] لأن المعنى وحرام على قرية مهلكة رجوعهم، وكما جاءت في قول الشاعر: [الطويل]

السابقالتالي
2