الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُواْ فِي ٱلْمَجَالِسِ فَٱفْسَحُواْ يَفْسَحِ ٱللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا قِيلَ ٱنشُزُواْ فَانشُزُواْ يَرْفَعِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا نَاجَيْتُمُ ٱلرَّسُولَ فَقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

قرأ جمهور الناس: " تفسحوا " ، وقرأ الحسن وداود بن أبي هند: " تفاسحوا " ، وقرأ جمهور القراء: " في المجلس " ، وقرأ عاصم وحده وقتادة وعيسى: " في المجالس ". واختلف الناس في سبب الآية والمقصود بها، فقال ابن عباس ومجاهد والحسن: نزلت في مقاعد الحرب والقتال.

وقال زيد بن أسلم وقتادة: نزلت بسبب تضايق الناس في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك أنهم كانوا يتنافسون في القرب منه وسماع كلامه والنظر إليه، فيأتي الرجل الذي له الحق والسن والقدم في الإسلام فلا يجد مكاناً، فنزلت بسبب ذلك. وقال مقاتل: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم قوماً ليجلس أشياخ من أهل بدر ونحو ذلك فنزلت الآية، وروى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يقم أحد من مجلسه ثم يجلس فيه الرجل ولكن تفسحوا يفسح الله لكم " ،وقال بعض الناس: إنما الآية مخصوصة في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم في سائر المجالس، ويدل على ذلك قراءة من قرأ: " في المجلس " ، ومن قرأ " في المجالس " فذلك مراده أيضاً لأن لكل أحد مجلساً في بيت النبي صلى الله عليه وسلم وموضعه فتجمع لذلك، وقال جمهور أهل العلم: السبب مجلس النبي عليه السلام، والحكم في سائر المجالس التي هي للطاعات، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: " أحبكم إلى الله ألينكم مناكب في الصلاة وركباً في المجالس " ،وهذا قول مالك رحمه الله وقال: ما أرى الحكم إلا يطرد في مجالس العلم ونحوها غابر الدهر، ويؤيد هذا القول قراءة من قرأ: " في المجالس " ، ومن قرأ: " في المجلس " فذلك على هذا التأويل اسم جنس فالسنة المندوب إليها هي التفسح والقيام منهي عنه في حديث النبي صلى الله عليه وسلم حيث نهى أن يقوم الرجل فيجلس الآخر مكانه، فأما القيام إجلالاً فجائز بالحديث قوله عليه السلام حين أقبل سعد بن معاذ: " قوموا إلى سيدكم " ،وواجب على المعظم ألا يحب ذلك ويأخذ الناس به لقوله عليه السلام: " من أحب أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار ".

وقوله تعالى: { يفسح الله لكم } معناه: في رحمته وجنته، وقوله تعالى: { وإذا قيل انشزوا فانشزوا } معناه: إذا قيل لكم ارتفعوا وقوموا فافعلوا ذلك، ومنه نشوز العظام أي نباتها، والنشز من الأرض المرتفع، واختلف الناس في هذا النشوز الذي أمروا بامتثاله إذا دعوا إليه. فقال الحسن وقتادة والضحاك معناه: إذا دعوا إلى قتال أو طاعة أو صلاة ونحوه، وقال آخرون معناه: إذا دعوا إلى القيام عن النبي عليه السلام لأنه كان أحياناً يحب الانفراد في آمر الإسلام فربما جلس قوم وأراد كل واحد أن يكون آخر الناس عهداً بالنبي عليه السلام، فنزلت الآية آمرة بالقيام عنه متى فهم ذلك بقول أو فعل، وقال آخرون معناه: { انشزوا } في المجلس بمعنى التفسح لأن الذي يريد التوسعة يرتفع إلى فوق في الهواء فإذا فعل ذلك جملة اتسع الموضع، فيجيء { انشزوا } في غرض واحد مع قوله { تفسحوا } ، وقرأ نافع وابن عامر وحفص عن عاصم: " انشُزوا " برفع الشين وهي قراءة أبي جعفر وشيبة والأعرج.

السابقالتالي
2 3