الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱلْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلاَ مِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مَأْوَاكُمُ ٱلنَّارُ هِيَ مَوْلاَكُمْ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } * { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلْحَقِّ وَلاَ يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ ٱلأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } * { ٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ يُحْيِـي ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }

قوله تعالى: { فاليوم لا يؤخذ } استمرار في مخاطبة المنافقين. قاله قتادة وغيره: وروي في معنى قوله: { ولا من الذين كفروا } حديث، وهو أن الله تعالى يقرر الكافرين فيقول له: أرأيتك لو كان لك أضعاف الدنيا أكنت تفتدي بجميع ذلك من عذاب النار؟ فيقول: نعم يا رب، فيقول الله تعالى: قد سألتك ما هو أيسر من هذا وأنت في صلب أبيك آدم أن لا تشرك بي فأبيت إلا الشرك.

وقرأ جمهور القراء والناس: " يؤخذ " بالياء من تحت. وقرأ أبو جعفر القارئ: " تؤخذ " بالتاء من فوق، وهي قراءة ابن عامر في رواية هشام عنه، وهي قراءة الحسن وابن أبي إسحاق والأعرج.

وقوله: { هي مولاكم } قال المفسرون معناه: هي أولى بكم، وهذا تفسير بالمعنى، وإنما هي استعارة، لأنها من حيث تضمنهم وتباشرهم هي تواليهم وتكون لهم مكان المولى، وهذا نحو قول الشاعر [عمرو بن معد يكرب]: [الوافر]

تحية بينهم ضرب وجميع   
وقوله تعالى: { ألم يأن } الآية ابتداء معنى مستأنف، وروي أنه كثر المزاح والضحك في بعض تلك المدة في قوم من شبان المسلمين فنزلت هذه الآية. وقال ابن مسعود: مل الصحابة ملة فنزلت الآية. ومعنى: { ألم يأن } ألم يحن، ويقال: أنى الشيء يأني، إذا حان ومنه قول الشاعر: [الوافر]

تمخضت المنون له بيوم   أنى ولكل حاملة تمام
وقرأ الحسن بن أبي الحسن: " ألما يأن ". وروي عنه أنه قرأ " ألم يين ".

وهذه الآية على معنى الحض والتقريع، قال ابن عباس: عوتب المؤمنون بهذه الآية بعد ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن، وسمع الفضل بن موسى قارئاً يقرأ هذه الآية، والفضل يحاول معصية، فكانت الآية سبب توبته. وحكى الثعلبي عن ابن المبارك أنه في صباه حرك العود ليضربه، فإذا به قد نطق بهذه الآية، فتاب ابن المبارك وكسر العود وجاء التوفيق. والخشوع: الإخبات والتطامن، وهي هيئة تظهر في الجوارح متى كانت في القلب، فلذلك خص تعالى القلب بالذكر. وروى شداد بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " أول ما يرفع من الناس الخشوع ".

وقوله تعالى: { لذكر الله } أي لأجل ذكر الله ووحيه الذي بين أظهرهم، ويحتمل أن يكون المعنى: لأجل تذكير الله إياهم وأوامره فيهم.

وقرأ عاصم في رواية حفص ونافع: " وما نزَل " مخفف الزاي. وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: " نزّل " بشد الزاي على معنى: نزّل الله من الحق. وقرأ أبو عمرو في رواية عباس وهي قراءة الجحدري وابن القعقاع: " نزِّل " بكسر الزاي وشدها. وقرأ نافع وأبو عمرو والأعرج وأبو جعفر: " ولا يكونوا " بالياء على ذكر الغيب.

السابقالتالي
2