الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ } * { وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ } * { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ } * { فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ } * { لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ } * { تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { أَفَبِهَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ أَنتُمْ مُّدْهِنُونَ } * { وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ } * { فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ ٱلْحُلْقُومَ } * { وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ } * { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَـٰكِن لاَّ تُبْصِرُونَ } * { فَلَوْلاَ إِن كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ } * { تَرْجِعُونَهَآ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }

اختلف الناس في: " لا " ، من قوله: { فلا أقسم بمواقع النجوم } فقال بعض النحويين: هي زائدة والمعنى فأقسم، وزيادتها في بعض المواضع معروف كقوله تعالى:لئلا يعلم أهل الكتاب } [الحديد: 29] وغير ذلك، وقال سعيد بن جبير وبعض النحويين: هي نافية، كأنه قال: { فلا } صحة لما يقوله الكفار، ثم ابتدأ { أقسم بمواقع النجوم }. وقال بعض المتأولين هي مؤكدة تعطي في القسم مبالغة ما، وهي كاستفتاح كلام مشبه في القسم ألا في شائع الكلام القسم وغيره، ومن هذا قول الشاعر: [الطويل]

" فلا وأبي أعدائها لا أخونها "   
والمعنى: فوأبي اعدائها، ولهذا نظائر.

وقرأ الحسن والثقفي: " فلأقسم " بغير ألف، قال أبو الفتح، التقدير: فلأنا أقسم.

وقرأ الجمهور من القراء " بمواقع " على الجمع، وقرأ عمر بن الخطاب وابن عباس وابن مسعود وأهل الكوفة وحمزة والكسائي: " بموقع " على الإفراد، وهو مراد به الجمع، ونظير هذا كثير، ومنه قوله تعالى:إن أنكر الأصوات لصوت الحمير } [لقمان: 19] جمع من حيث لكل حمار صوت مختص وأفرد من حيث الأصوات كلها نوع.

واختلف الناس في: { النجوم } هنا، فقال ابن عباس وعكرمة ومجاهد وغيرهم: هي نجوم القرآن التي نزلت على محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه روي أن القرآن نزل من عند الله في ليلة القدر إلى السماء الدنيا، وقيل إلى البيت المعمور جملة واحدة، ثم نزل بعد ذلك على محمد نجوماً مقطعة في مدة من عشرين سنة.

قال القاضي أبو محمد: ويؤيد هذا القول عود الضمير على القرآن في قوله: { إنه لقرآن كريم } ، وذلك أن ذكره لم يتقدم إلا على هذا التأويل، ومن لا يتأول بهذا التأويل يقول: إن الضمير يعود على القرآن وإن لم يتقدم ذكر لشهرة الأمر ووضوح المعنى كقوله تعالى:حتى توارت بالحجاب } [ص: 32]، وكل من عليها فان } [الرحمن: 26] وغير ذلك. وقال جمهور كثير من المفسرين: { النجوم } هنا: الكواكب المعروفة. واختلف في موقعها، فقال مجاهد وأبو عبيدة هي: مواقعها عند غروبها وطلوعها، وقال قتادة: مواقعها مواضعها من السماء، وقيل: مواقعها عند الانقضاض إثر العفاريت، وقال الحسن: مواقعها عند الانكدار يوم القيامة.

وقوله تعالى: { وإنه لقسم } تأكيد للأمر وتنبيه من المقسم به، وليس هذا باعتراض بين الكلامين، بل هذا معنى قصد التهمم به، وإنما الاعتراض قوله: { لو تعلمون } وقد قال قوم: إن قوله: { وإنه لقسم } اعتراض، وإن { لو تعلمون } اعتراض في اعتراض، والتحرير هو الذي ذكرناه.

وقوله: { إنه لقرآن } هو الذي وقع القسم عليه، ووصفه بالكرم على معنى إثبات صفات المدح له ودفع صفات الحطيطة عنه.

واختلف المتأولون في قوله تعالى: { في كتاب مكنون } بعد اتفاقهم على أن المكنون: المصون، فقال ابن عباس ومجاهد: أراد الكتاب الذي في السماء.

السابقالتالي
2 3 4