الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذَا وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ } * { لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ } * { خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ } * { إِذَا رُجَّتِ ٱلأَرْضُ رَجّاً } * { وَبُسَّتِ ٱلْجِبَالُ بَسّاً } * { فَكَانَتْ هَبَآءً مُّنبَثّاً } * { وَكُنتُمْ أَزْوَاجاً ثَلاَثَةً } * { فَأَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَيْمَنَةِ } * { وَأَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ مَآ أَصْحَابُ ٱلْمَشْأَمَةِ } * { وَٱلسَّابِقُونَ ٱلسَّابِقُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلْمُقَرَّبُونَ } * { فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ }

{ الواقعة }: اسم من أسماء القيامة كـالصاعقة } [البقرة: 55، النساء: 153] والأزفة } [غافر: 18، النجم: 57] والطامة } [النازعات: 34] قاله ابن عباس، وهذه كلها أسماء تقتضي تعظيمها وتشنيع أمرها. وقال الضحاك: { الواقعة }: الصيحة وهي النفخة في الصور. وقال بعض المفسرين: { الواقعة }: صخرة بيت المقدس، تقع عند القيامة، فهذه كلها معان لأجل القيامة. و: { كاذبة } يحتمل أن يكون مصدراً كالعاقبة والعافية وخائنة الأعين. فالمعنى ليس لها تكذيب ولا رد مثنوية، وهذا قول قتادة والحسن ويحتمل أن يكون صفة لمقدر، كأنه قال: { ليس لوقعتها } حال { كاذبة } ، ويحتمل الكلام على هذا معنيين: أحدهما { كاذبة } ، أي مكذوب فيما أخبر به عنها فسماها { كاذبة } بهذا، كما تقول هذه قصة كاذبة أي مكذوب فيها، والثاني حالة كاذبة أي لا يمضي وقوعها، كما تقول: فلان إذا حمل لم يكذب.

وقوله: { خافضة رافعة } رفع على خبر ابتداء، أي هي { خافضة رافعة }.

وقرأ الحسن وعيسى الثقفي وأبو حيوة: " خافضةً رافعةً " بالنصب على الحال بعد الحال التي هي { لوقعتها كاذبة } ولك أن تتابع الأحوال. كما لك أن تتابع أخبار المبتدأ، والقراءة الأولى أشهر وأبرع معنى، وذلك أن موقع الحال من الكلام موقع ما لم يذكر لاستغني عنه وموقع الجمل التي يجزم الخبر بها موقع ما يتهمم به.

واختلف الناس في معنى هذا الخفض والرفع في هذه الآية، فقال قتادة وعثمان بن عبد الله بن سراقة: القيامة تخفض أقواماً إلى النار، وترفع أقواماً إلى النار، وترفع أقواماً إلى الجنة. وقال ابن عباس وعكرمة والضحاك: الصيحة تخفض قوتها لتسمع الأدنى وترفعها لتسمع الأقصى. وقال جمهور من المتأولين: القيامة بتفطر السماء والأرض والجبال انهدام هذه البنية، ترفع طائفة من الأجرام وتخفض أخرى، فكأنها عبارة عن شدة الهول والاضطراب، والعامل في قوله: { إذا رجت } ، { وقعت } ، لأن { إذا } هذه بدل من { إذا } الأولى، وقد قالوا: إن { وقعت } هو العامل في الأولى، وذلك لأن معنى الشرط فيها قوي، فهي كـ " من " و " ما " في الشرط، يعمل فيها ما بعدها من الأفعال، وقد قيل إن { إذا } مضافة إلى { وقعت } فلا يصح أن يعمل فيها، وإنما العامل فيها فعل مقدر. ومعنى: { رجت } زلزلت وحركت بعنف، قاله ابن عباس، ومنه ارتج السهم في الغرض إذا اضطرب بعد وقوعه، والرجة في الناس الأمر المحرك.

واختلف اللغويون في معنى: { بست } فقال ابن عباس ومجاهد وعكرمة معناه: فتتت، كما تبس البسيسة وهي السويق، ويقال بسست الدقيق إذا ثريته بالماء وبقي مفتتاً، وأنشد الطبري في هذا: [الرجز]

لا تخبزا خبزاً وبسّا بسّا   
وقال هذا قول لص أعجله الخوف عن العجين، فقال لصاحبه هذا.

السابقالتالي
2 3