الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ مَرَجَ ٱلْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ } * { بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } * { يَخْرُجُ مِنْهُمَا ٱلُّلؤْلُؤُ وَٱلمَرْجَانُ } * { فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } * { وَلَهُ ٱلْجَوَارِ ٱلْمُنشَئَاتُ فِي ٱلْبَحْرِ كَٱلأَعْلاَمِ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ } * { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ } * { وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو ٱلْجَلاَلِ وَٱلإِكْرَامِ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ }

{ مرج البحرين } معناه: أرسلهما إرسالاً غير منحاز بعضهما من بعض، ومنه مرجت الدابة، ومنه الأمر المريج، أي المختلط الذي لم يتحصل منه شيء، ومنه منمارج من نار } [الرحمن: 15].

واختلف الناس في { البحرين } فقال الحسن وقتادة: بحر فارس وبحر الروم. وقال الحسن أيضاً: بحر القلزم واليمن وبحر الشام. وقال ابن عباس وابن جبير: هو بحر في السماء وبحر في الأرض. وقال ابن عباس أيضاً هو مطر السماء سماه بحراً وبحر الأرض. والظاهر عندي أن قوله تعالى: { البحرين } يريد بهما نوعي الماء العذب. والأجاج: أي خلطهما في الأرض وأرسلهما متداخلين في وضعهما في الأرض قريب بعضهما من بعض ولا بغي، والعبرة في هذا التأويل منيرة، وأنشد منذر بن سعيد: [الطويل]

وممزوجة الأمواه لا العذب غالب   على الملح طيباً لا ولا الملح يعذب
أما قوله: { يلتقيان } فعلى التأولين الأولين معناه: هما معدان للالتقاء، وحقهما أن يلتقيا لولا البرزخ، وعلى القول الثالث روي أنهما يلتقيان كل سنة مرة، فمن ذهب إلى أنه بحر يجتمع في السماء فهو قول ضعيف وإنما يتوجه الالتقاء فيه. وفي القول الرابع بنزول المطر، وفي القول الخامس بالأنهار في البحر وبالعيون قرب البحر. والبرزخ: الحاجز في كل شيء، فهو في بعض هذه الأقوال أجرام الأرض، قاله قتادة. وفي بعضها القدرة والبرزخ أيضاً: المدة التي بين الدنيا والآخرة للموتى، فهي حاجز، وقد قال بعض الناس: إن ماء الأنهار لا يختلط بالماء الملح، بل هو بذاته باق فيه، وهذا يحتاج إلى دليل أو حديث صحيح، وإلا فالعيان لا يقتضيه. وذكر الثعلبي في: { مرج البحرين } ألغازاً وأقوالاً باطنة لا يجب أن يلتفت إلى شيء منها.

واختلف الناس في قوله: { لا يبغيان } فقال ابن عباس ومجاهد وقتادة معناه: لا يبغي واحد منهما على الآخر. وقال قتادة أيضاً والحسن: { لا يبغيان } على الناس والعمران. وهذان القولان على أن اللفظة من البغي. وقال بعض المتأولين هي من قولك: بغى إذا طلب، فمعناه: { لا يبغيان } حالاً غير حالهما التي خلقا وسخرا لها. وقال ابن عباس وقتادة والضحاك: { اللؤلؤ }: كبار الجوهر { والمرجان }: صغاره. وقال ابن عباس أيضاً ومرة الهمداني عكس هذا، والوصف بالصغر وهو الصواب في { اللؤلؤ }. وقال ابن مسعود وغيره { المرجان }: حجر أحمر، وهذا هو الصواب في { المرجان }. و { اللؤلؤ }: بناء غريب لا يحفظ منه في كلام العرب أكثر من خمسة: اللؤلؤ والجؤجؤ والدؤدؤ واليؤيؤ وهو طائر، والبؤبؤ وهو الأصل.

واختلف الناس في قوله: { منهما } فقال أبو الحسن الأخفش في كتابه الحجة، وزعم قوم أنه قد ينفرج { اللؤلؤ والمرجان } من الملح ومن العذب.

قال القاضي أبو محمد: ورد الناس على هذا القول، لأن الحس يخالفه ولا يخرج ذلك إلا من الملح وقد رد الناس على الشاعر في قوله: [الطويل]


السابقالتالي
2