الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱقْتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلْقَمَرُ } * { وَإِن يَرَوْاْ آيَةً يُعْرِضُواْ وَيَقُولُواْ سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ } * { وَكَذَّبُواْ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ } * { وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّنَ ٱلأَنبَآءِ مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ } * { حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ ٱلنُّذُرُ } * { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ ٱلدَّاعِ إِلَىٰ شَيْءٍ نُّكُرٍ } * { خُشَّعاً أَبْصَٰرُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ } * { مُّهْطِعِينَ إِلَى ٱلدَّاعِ يَقُولُ ٱلْكَافِرُونَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَسِرٌ }

{ اقتربت } معناه: قربت إلا أنه أبلغ، كما أن اقتدر أبلغ من قدر. و: { الساعة } القيامة وأمرها مجهول التحديد لم يعلم، إلا أنها قربت دون تحديد، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " بعثت أنا والساعة كهاتين، وأشار بالسبابة والوسطى " وقال أنس: " خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كادت الشمس تغيب فقال: " ما بقي من الدنيا فيما مضى إلا كمثل ما بقي من هذا اليوم " ".

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إني لأرجو أن يؤخر الله أمتي نصف يوم " وهذا منه على جهة الرجاء والظن لم يجزم به خبراً، فأناب الله به على أمله وأخر أمته أكثر من رجائه، وكل ما يروى عن عمر الدنيا من التحديد فضعيف واهن.

وقوله: { انشق القمر } إخبار عما وقع في ذلك، وذكر الثعلبي أنه قيل إن المعنى ينشق القمر يوم القيامة، وهذا ضعيف الأمة على خلافه، وذلك أن قريشاً سألت رسول الله آية فقيل مجملة، وهذا قول الجمهور، وقيل بل عاينوا شق القمر، ذكره الثعلبي عن ابن عباس " فأراهم الله انشقاق القمر، فرآه رسول الله وجماعة من المسلمين والكفار، فقال رسول الله " اشهدوا " " وممن قال من الصحابة رأيته: عبد الله بن مسعود وجبير بن مطعم وأخبر به عبد الله بن عمر وأنس وابن عباس وحذيفة بن اليمان، وقال المشركون عند ذلك: سحرنا محمد. وقال بعضهم: سحر القمر وقالت قريش استخبروا المسافرين القادمين عليكم، فما ورد أحد إلا أخبر بانشقاقه وقال ابن مسعود: رأيته انشق فذهبت فرقة وراء جبل حراء، وقال ابن زيد: كان يرى نصفه على قعيقعان والآخر على أبي قبيس. وقرأ حذيفة: " اقتربت الساعة وقد انشق القمر " ، وذكر الثعلبي عنه أن قراءته: " اقتربت الساعة انشق القمر " دون واو.

وقوله: { وإن يروا } جاء اللفظ مستقبلاً لينتظم ما مضى وما يأتي، فهو إخبار بأن حالهم هكذا، واختلفت الناس في معنى: { مستمر } فقال الزجاج قيل معناه: دائم متماد. وقال قتادة ومجاهد والكسائي والفراء معناه: مار ذاهب عن قريب يزول. وقال أبو العالية والضحاك معناه: مشدود من مرائير الحبل كأنه سحر قد أمر، أي أحكم. ومنه قول الشاعر [لقيط بن زرارة]: [البسيط]

حتى استمرت على شزر مريرته   صدق العزيمة لا رتّاً ولا ضرعا
ثم أخبر تعالى بأنهم كذبوا واتبعوا شهواتهم وما يهوون من الأمور لا بدليل ولا بتثبت، ثم قال على جهة الخبر الجزم، { وكل أمر مستقر } يقول: وكل شيء إلى غاية فالحق يستقر ظاهراً ثابتاً، والباطل يستقر زاهقاً ذاهباً.

وقرأ أبو جعفر بن القعقاع " وكل مستقرٍ " بجر " مستقر " ، يعني بذلك أشراطها.

السابقالتالي
2 3