الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُواْ هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَىٰ } * { وَٱلْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَىٰ } * { فَغَشَّاهَا مَا غَشَّىٰ } * { فَبِأَيِّ آلاۤءِ رَبِّكَ تَتَمَارَىٰ } * { هَـٰذَا نَذِيرٌ مِّنَ ٱلنُّذُرِ ٱلأُوْلَىٰ } * { أَزِفَتِ ٱلآزِفَةُ } * { لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ كَاشِفَةٌ } * { أَفَمِنْ هَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ } * { وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ } * { وَأَنتُمْ سَامِدُونَ } * { فَٱسْجُدُواْ لِلَّهِ وَٱعْبُدُواْ }

نصب { قوم نوح } عطفاً على " ثمود " وقوله: { من قبل } لأنهم كانوا أول أمة كذبت من أهل الأرض، و { نوح } أول الرسل، وجعلهم { أظلم وأطغى }: لأنهم سبقوا إلى التكذيب دون اقتداء بأحد قبلهم، وأيضاً فإنهم كانوا في غاية من العتو، وكان عمر نوح قد طال في دعائهم، فكان الرجل يأتي إليه مع ابنه فيقول: أحذرك من هذا الرجل فإنه كذاب، ولقد حذرني منه أبي وأخبرني أن جدي حذره منه، فمشت على ذلك أخلافهم ألفاً إلا خمسين عاماً.

و { المؤتفكة } قرية قوم لوط بإجماع من المفسرين، ومعنى { المؤتفكة }: المنقلبة لأنها أفكت فائتفكت، ومنه الإفك، لأنه قلب الحق كذباً، وقرأ الحسن بن أبي الحسن: " والمؤتفكات أهوى " على الجمع. و { أهوى } معناه: طرحها من هواء عال إلى أسفل، هذا ما روي من أن جبريل عليه السلام اقتلعها بجناحه حتى بلغ بها قرب السماء ثم حولها قلبها فهبط الجميع واتبعوا حجارة وهي التي غشاها الله تعالى.

وقوله: { فبأي ألاء ربك تتمارى } مخاطبة للإنسان الكافر، كأنه قيل له: هذا هو الله الذي له هذه الأفاعيل، وهو خالقك المنعم عليك بكل النعم، ففي أيها تشك. و: { تتمارى } معناه: تتشكك. وقرأ يعقوب " ربك ّتمارى " بتاء واحدة مشددة. وقال أبو مالك الغفاري إن قوله:ألا تزر } [النجم: 38] إلى قوله: { تتمارى } هو في صحف إبراهيم وموسى.

وقوله: { هذا نذير } يحتمل أن يشير إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا قول قتادة وأبي جعفر ومحمد بن كعب القرظي، ويحتمل أن يشير إلى القرآن، وهو تأويل قوم، وقال أبو مالك: الإشارة بهذا النذير إلى ما سلف من الأخبار عن الأمم. و: { نذير } يحتمل أن يكون بناء اسم فاعل، ويحتمل أن يكون مصدراً، ونذر جمع نذير. وقال { الأولى } بمعنى أنه في الرتبة والمنزلة والأوصاف من تلك المتقدمة، والأشبه أن تكون الإشارة إلى محمد.

وقوله: { أزفت } معناه: قربت القريبة. و: { الآزفة } عبارة عن القيامة بإجماع من المفسرين. وأزف معناه: قرب جداً، قال كعب بن زهير: [البسيط]

بان الشباب وأمسى الشيب قد أزفا   ولا أرى لشباب ذاهب خلفا
وقوله: { كاشفة } يحتمل أن يكون صفة لمؤنث، التقدير: حالة { كاشفة } ، أو منة { كاشفة }. قال الرماني أو جماعة، ويحتمل أن يكون مصدراً كالعاقبة وخائنة الأعين } [غافر: 19]. ويحتمل أن يكون بمعنى كاشف، والهاء للمبالغة، كما قال:فهل ترى لهم من باقية } [الحاقة: 8] وأما معنى { كاشفة } فقال الطبري والزجاج: هو من كشف السر، أي ليس من دون الله من يكشف وقتها ويعلمه. وقال الزهراوي عن منذر بن سعيد: هو من كشف الضر ودفعه، أي ليس من يكشف خطبها وهولها.

السابقالتالي
2