الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ إِلاَّ ٱللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ ٱلْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلاَ تُزَكُّوۤاْ أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ ٱتَّقَىٰ } * { أَفَرَأَيْتَ ٱلَّذِي تَوَلَّىٰ } * { وَأَعْطَىٰ قَلِيلاً وَأَكْدَىٰ } * { أَعِندَهُ عِلْمُ ٱلْغَيْبِ فَهُوَ يَرَىٰ } * { أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ } * { وَإِبْرَاهِيمَ ٱلَّذِي وَفَّىٰ } * { أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ }

قوله: { الذين } نعت لـالذين } [النجم: 31] المتقدم قبله، و: { يجتنبون } معناه: يدعون جانباً. وقرأ جمهور القراء والناس: " كبائر الإثم " وقرأ ابن وثاب وطلحة والأعمش وعيسى وحمزة والكسائي: " كبير الإثم " على الإفراد الذي يراد به الجمع وهذا كقوله:فما لنا من شافعين ولا صديق حميم } [الشعراء: 100]، وكقوله:وحسن أولئك رفيقاً } [النساء: 69] ونحو هذا.

واختلف الناس في الكبائر ما هي؟ فذهب الجمهور إلى أنها السبع الموبقات التي وردت في الأحاديث وقد مضى القول في ذكرها واختلاف الأحاديث فيها في سورة النساء. وتحرير القول في الكبائر أنها كل معصية يوجد فيها حد في الدنيا، أو توعد بنار في الآخرة، أو لعنة ونحو هذا خاصاً بها فهي كثيرة العدد، ولهذا قال ابن عباس حين قيل له أسبع هي؟ فقال: هي إلى السبعين أقرب منها إلى السبع. وقال زيد بن أسلم: " كبير الإثم " هنا يراد به: الكفر. و { الفواحش } هي المعاصي المذكورة.

وقوله: { إلا اللمم } هو استثناء يصح أن يكون متصلاً، وإن قدرته منقطعاً ساغ ذلك، واختلف في معنى { اللمم } فقال ابن عباس وابن زيد معناه: ما ألموا به من الشرك والمعاصي في الجاهلية قبل الإسلام. قال الثعلبي عن ابن عباس وزيد بن ثابت وزيد بن أسلم وابنه: إن سبب الآية أن الكفار قالوا للمسلمين: قد كنتم بالأمس تعملون أعمالنا، فنزلت الآية وهي مثل قوله تعالى:وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف } [النساء: 23] وقال ابن عباس وغيره: ما ألموا من المعاصي الفلتة والسقطة دون دوام ثم يتوبون منه، ذكر الطبري عن الحسن أنه قال في اللمة: من الزنا والسرقة والخمر ثم لا يعود.

قال القاضي أبو محمد: وهذا كالذي قبله، فكأن هذا التأويل يقتضي الرفق بالناس في إدخالهم في الوعد بالحسنى، إذ الغالب في المؤمنين مواقعة المعاصي، وعلى هذا أنشدوا وقد تمثل به النبي صلى الله عليه وسلم: [الرجز]

إن تغفر اللهم تغفر جما   وأي عبد لك لا ألما
وقال أبو هريرة وابن عباس والشعبي وغيرهم: { اللمم } صغار الذنوب التي بين الحدين الدنيا والآخرة وهي ما لا حد فيه ولا وعيد مختصاً بها مذكوراً لها، وإنما يقال صغار بالإضافة إلى غيرها، وإلا فهي بالإضافة إلى الناهي عنها كبائر كلها، ويعضد هذا القول، قول النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا لا محالة، فزنى العين: النظر، وزنى اللسان: المنطق، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه فإن تقدم فرجه فهو زان، وإلا فهو اللمم " وروي أن هذه الآية نزلت في نبهان التمار فالناس لا يتخلصون من مواقعة هذه الصغائر ولهم مع ذلك الحسنى إذا اجتنبوا التي هي في نفسها كبائر.

السابقالتالي
2 3