الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ } * { وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ } * { أَلَكُمُ ٱلذَّكَرُ وَلَهُ ٱلأُنْثَىٰ } * { تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَىٰ } * { إِنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَآءٌ سَمَّيْتُمُوهَآ أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَمَا تَهْوَى ٱلأَنفُسُ وَلَقَدْ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ ٱلْهُدَىٰ } * { أَمْ لِلإِنسَانِ مَا تَمَنَّىٰ } * { فَلِلَّهِ ٱلآخِرَةُ وٱلأُولَىٰ } * { وَكَمْ مِّن مَّلَكٍ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ لاَ تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ ٱللَّهُ لِمَن يَشَآءُ وَيَرْضَىٰ }

قوله تعالى: { أفرأيتم } مخاطبة لقريش، وهي من رؤية العين، لأنه أحال على أجرام مرئية، ولو كانت: أرأيت: التي هي استفتاء لم تتعد. ولما فرغ من ذكر عظمة الله وقدرته، قال على جهة التوقيف: أرأيتم هذه الأوثان وحقارتها وبعدها عن هذه القدرة والصفات العلية و: { اللات } اسم صنم كانت العرب تعظمه، قال أبو عبيدة وغيره: كان في الكعبة، وقال قتادة: كان بالطائف. وقال ابن زيد: كان بنخلة عند سوق عكاظ، وقول قتادة أرجح يؤيده قول الشاعر: [المتقارب]

وفرّت ثقيف إلى لاتها   بمنقلب الخائب الخاسر
والتاء في: { اللات } لام فعل كالباء من باب، وقال قوم هي تاء تأنيث، والتصريف يأبى ذلك، وقرأ ابن عباس ومجاهد وأبو صالح: " اللاّت " بشد التاء، وقالوا: كان هذا الصنم حجراً وكان عنده رجل من بهز يلت سويق الحاج على ذلك الحجر ويخدم الأصنام، فلما مات عبدوا الحجر الذي كان عنده إجلالاً لذلك الرجل وسموه باسمه، ورويت هذه القراءة عن ابن كثير وابن عامر، { والعزى }: صخرة بيضاء كانت العرب تعبدها وتعظمها، قاله سعيد بن جبير وقال ابن مجاهد: كانت شجيرات تعبد ثم ببلاها انتقل أمرها إلى صخرة. و " عزى " مؤنثة عزيز ككبرى وعظمى، وكانت هذه الأوثان تعظم الوثن منها قبيلة وتعبدها، ويجيء كل من عز من العرب فيعظمها بتعظيم حاضرها. وقال أبو عبيدة معمر: كانت { العزى } { ومناة } في الكعبة، وقال ابن زيد: وكانت { العزى } بالطائف، وقال قتادة: كانت بنخلة وأما { مناة } فكانت بالمشلل من قديد، وذلك بين مكة والمدينة، وكانت أعظم هذه الأوثان قدراً وأكثرها عابداً، وكانت الأوس والخزرج تهل لها، ولذلك قال تعالى: { الثالثة الأخرى } فأكدها بهاتين الصفتين، كما تقول رأيت فلاناً وفلاناً ثم تذكر ثالثاً أجل منهما، فتقول وفلاناً الآخر الذي من أمره وشأنه.

ولفظة آخر وأخرى يوصف به الثالث من المعدودات، وذلك نص في الآية، ومنه قول ربيعة بن مكدم: [الكامل]

ولقد شفعتهما بآخر ثالث   
وهو التأويل الصحيح في قول الشاعر [عبيد بن الأبرص]: [مجزوء الكامل]

جعلت لها عودين من   نشم وآخر من ثمامه
وقرأ ابن كثير وحده: " ومناءة " بالهمز والمد وهي لغة فيها، والأول أشهر وهي قراءة الناس، ومنها قول جرير: [الوافر]

أزيد مناة توعد بابن تيم   تأمل أين تاه بك الوعيد
ووقف تعالى الكفار على هذه الأوثان وعلى قولهم فيها، لأنهم كانوا يقولون: هي بنات الله، فكأنه قال: أرأيتم هذه الأوثان وقولكم هي بنات الله { ألكم الذكر وله الأنثى } ، أي النوع المستحسن المحبوب هو لكم وموجود فيكم؟ والمذموم المستثقل عندكم هو له بزعمكم، ثم قال تعالى على جهة الإنكار: { تلك إذاً قسمة ضيزى } أي عوجاء، قاله مجاهد، وقيل { ضيزى } معناه: جائرة، قاله ابن عباس وقتادة، وقال سفيان معناه: منقوصة، وقال ابن زيد معناه: مخالفة، والعرب تقول: ضزته حقه أضيزه، بمعنى: منعته منه وظلمته فيه، و: { ضيزى } من هذا التصريف وأصلها فُعلى بضم الفاء ضوزى لأنه القياس، إذ لا يوجد في الصفات فِعلى بكسر الفاء، كذا قال سيبويه وغيره، فإذا كان هذا فهي ضوزى: كسر أولها كما كسر أول عِين وبيض طلباً للتخفيف، إذ الكسرة والياء أخف من الضمة والواو كما قالوا بيوت وعصى هي في الأصل فعول بضم الفاء، وتقول العرب: ضزته أضوزه فكان يلزم على هذا التصريف أن يكون ضوزى فعلى، وفي جميع هذا نظر.

السابقالتالي
2