الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ فَذَرْهُمْ حَتَّىٰ يُلَـٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ } * { يَوْمَ لاَ يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ } * { وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَٱصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ } * { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ ٱلنُّجُومِ }

قوله: { فذرهم } وما جرى مجراه من الموادعة منسوخ بآية السيف.

وقرأ أبو جعفر وأبو عمرو بخلاف عنه " يلقوا " ، والجمهور على " يلاقوا ".

واختلف الناس في اليوم الذي توعدوا به، فقال بعض المتأولين: هو موتهم واحداً واحداً وهذا على تجوز، والصعق: التعذب في الجملة وإن كان الاستعمال قد كثر فيه فيما يصيب الإنسان من الصيحة المفرطة ونحوه. ويحتمل أن يكون اليوم الذي توعدوا به يوم بدر، لأنهم عذبوا فيه، وقال الجمهور: التوعد بيوم القيامة، لأن فيه صعقة تعم جميع الخلائق، لكن لا محالة أن بين صعقة المؤمن وصعقة الكافر فرقاً.

وقرأ جمهور القراء: " يصعِقون " من صعق الرجل بكسر العين. وقرأ أبو عبد الرحمن: " يَصعِقون " بفتح الياء وكسر العين. وقرأ عاصم وابن عامر وأهل مكة في قول شبل: " يُصعقون " بضم الياء، وذلك من أصعق الرجل غيره. وحكى الأخفش: صُعِق الرجل بضم الصاد وكسر العين.

قال أبو علي: فجائز أن يكون منه فهو مثل يضربون، قال أبو حاتم: وفتح أهل مكة الياء في قول إسماعيل. و: { يغني } يكون منه غناء ودفاع.

ثم أخبر تعالى بأنهم لهم دون هذا اليوم، أي قبله عذاب، واختلف الناس في تعيينه، فقال ابن عباس وغيره: هو بدر والفتح ونحوه. وقال مجاهد: هو الجوع الذي أصاب قريشاً. وقال البراء بن عازب وابن عباس أيضاً: هو عذاب القبر، ونزع ابن عباس وجود عذاب القبر بهذه الآية. وقال ابن زيد: هو مصائب الدنيا في الأجسام وفي الأحبة وفي الأموال، هي للمؤمنين رحمة وللكافرين عذاب، وفي قراءة ابن مسعود: دون ذلك قريباً { ولكن } { لا يعلمون }. ثم أمر تعالى نبيه بالصبر لحكم الله والمضي على نذارته ووعده بقوله: { فإنك بأعيننا } ، ومعناه بإدراكنا وأعين حفظنا وحيطتنا كما تقول: فلان يرعاه الملك بعين، وهذه الآية ينبغي أن يقررها كل مؤمن في نفسه، فإنها تفسح مضايق الدنيا. وقرأ أبو السمال: " بأعينّا " بنون واحدة مشددة.

واختلف الناس في قوله: { وسبح بحمد ربك } فقال أبو الأحوص عوف بن مالك: هو التسبيح المعروف، أن يقول في كل قيام له سبحان الله وبحمده. وقال عطاء: المعنى: حين تقوم من كل مجلس. وقال ابن زيد: التسبيح هنا هو صلاة النوافل. وقال الضحاك وابن زيد: هذه إشارات إلى الصلاة المفروضة؛ فـ { حين تقوم }: الظهر والعصر، أي { حين تقوم } من نوم القائلة. { ومن الليل } المغرب والعشاء. { وإدبار النجوم } الصبح. ومن قال هي النوافل جعل { إدبار النجوم }: ركعتي الفجر، وعلى هذا القول جماعة كثيرة، منهم عمر وعلي بن أبي طالب وأبو هريرة والحسن رضي الله عنهم. وقد روي مرفوعاً ومن جعله التسبيح المعروف، جعل قوله: { حين تقوم } مثالاً، أي حين تقوم وحين تقعد وفي كل تصرفك. وحكى منذر عن الضحاك أن المعنى: { حين تقوم } في الصلاة بعد تكبيرة الإحرام فقل. " سبحانك اللهم وبحمدك، تبارك اسمك، وتعالى جدك " ، الحديث.

وقرأ سالم بن أبي الجعد ويعقوب: " وأدبار " بفتح الهمزة بمعنى: وأعقاب، ومنه قول الشاعر [قيس بن الملوح]: [الطويل]

فأصبحت من ليلى الغداة كناظر   مع الصبح في أعقاب نجم مغرب
وقرأ جمهور الناس: " وإدبار " بكسر الهمزة.