الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ فَذَكِّرْ فَمَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلاَ مَجْنُونٍ } * { أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ } * { قُلْ تَرَبَّصُواْ فَإِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُتَرَبِّصِينَ } * { أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُمْ بِهَـٰذَآ أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ } * { أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لاَّ يُؤْمِنُونَ } * { فَلْيَأْتُواْ بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُواْ صَادِقِينَ } * { أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ ٱلْخَالِقُونَ } * { أَمْ خَلَقُواْ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ }

هذا أمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعاء إلى الله ومتابعة نشر الرسالة، ثم قال مؤنساً له: { فما أنت } بإنعام الله عليك أو لطفه بك { بكاهن ولا مجنون }. وكانت العرب قد عهدت ملابسة الجن والإنس بهذين الوجهين، فنسبت محمداً صلى الله عليه وسلم إلى ذلك فنفى الله تعالى عنه ذلك.

وقوله تعالى: { أم يقولون شاعر } الآية، روي أن قريشاً اجتمعت في دار الندوة فكثرت آراؤهم في محمد صلى الله عليه وسلم حتى قال قائل منهم: { تربصوا به ريب المنون } فإنه شاعر سيهلك كما هلك زهير والنابغة والأعشى وغيرهم، فافترقوا على هذه المقالة فنزلت الآية في ذلك، والتربص: الانتظار ومنه قول الشاعر: [الطويل]

تربص بها ريب المنون لعلها   تطلق يوماً أو يموت حليلها
وأنشد الطبري: [الطويل]

لعلها سيهلك عنها زوجها أو ستجنح   
وقوله تعالى: { قل تربصوا } وعيد في صيغة أمر، و: { المنون } من أسماء الموت، وبه فسر ابن عباس، ومن أسماء الدهر أيضاً، وبه فسر مجاهد وقال الأصمعي: { المنون } واحد لا جمع له وقال الأخفش: هو جمع لا واحد له.

قال القاضي أبو محمد: والريب هنا: الحوادث والمصائب، لأنها تريب من نزلت به ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في أمر ابنته فاطمة حين ذكر أن علياً يتزوج بنت أبي جهل: " إنما فاطمة بضعة مني، يريبني ما أرابها ". يقال أراب وراب، ومنه: [الطويل]

فقد رابني منها الغداة سفورها   
وقوله الآخر: [المتقارب]

وقد رابني قولها يا هناه   
وأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بتوعدهم بقوله: { قل تربصوا فإني معكم من المتربصين } وقوله تعالى: { بهذا } يحتمل أن يشير إلى هذه المقالة: هو شاعر، ويحتمل أن يشير إلى ما هم عليه من الكفر وعبادة الأصنام. والأحلام: العقول. و: { أم } المتكررة في هذه الآية قدرها بعض النحاة بألف الاستفهام، وقدرها مجاهد بـ " بل ". والنظر المحرر في ذلك أن منها ما يتقدر ببل، والهمزة على حد قول سيبويه في قولهم: إنها لا بل أم شاء، ومنها ما هي معادلة، وذلك قوله: { أم هم قوم طاغون }.

وقرأ مجاهد: " بل هم قوم طاغون " وهو معنى قراءة الناس، إلا أن العبارة بـ { أم } خرجت مخرج التوقيف والتوبيخ. وحكى الثعلبي عن الخليل أنه قال: ما في سورة " الطور " من { أم } كله استفهام وليست بعطف. و: { تقوله } معناه: قال عن الغير إنه قاله. فهي عبارة عن كذب مخصوص. ثم عجزهم تعالى بقوله: { فليأتوا بحديث مثله } والمماثلة المطلوبة منهم هي في النظم والرصف والإيجاز.

واختلف الناس هل كانت العرب قادرة على الإتيان بمثل القرآن قبل مجيء محمد صلى الله عليه وسلم، فقال شداد: يسمون أهل الصرفة كانت قادرة وصرفت، وقال الجمهور: لم تكن قط قادرة ولا في قدرة البشر أن يأتي بمثله.

السابقالتالي
2