الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } * { وَبِٱلأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } * { وَفِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ } * { وَفِي ٱلأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ } * { وَفِيۤ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } * { وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } * { فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ } * { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ٱلْمُكْرَمِينَ } * { إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ } * { فَرَاغَ إِلَىٰ أَهْلِهِ فَجَآءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ }

معنى قوله عز وجل: { كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون } أن نومهم كان قليلاً لاشتغالهم بالصلاة والعبادة، فالمراد من كل ليلة، والهجوع: النوم.

وقال الأحنف بن قيس: لست من أهل هذه الآية، وهذا إنصاف منه. وقيل لبعض التابعين مدح الله قوماً { كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون } ، ونحن قليل من الليل ما نقوم، فقال رحم الله عبداً رقد، إذا نعس، وأطاع ربه إذا استيقظ. وفسر أنس بن مالك هذه الآية بأنهم كانوا ينتفلون بين المغرب والعشاء، وقال الربيع بن خيثم، المعنى: كانوا يصيبون من الليل حظاً. وقال مطرف بن عبد الله، المعنى: قل ليلة أتت عليهم هجوعها كله، وقاله ابن أبي نجيح ومجاهد، فالمراد عند هؤلاء بقوله: { من الليل } أي من الليالي. وظاهر الآية عندي أنهم كانوا يقومون الأكثر من ليلهم، أي من كل ليلة وقد قال الحسن في تفسير هذه الآية: كابدوا قيام الليل لا ينامون منه إلا قليلاً.

وأما إعراب الآية: فقال الضحاك في كتاب الطبري ما يقتضي أن المعنى { كانوا قليلاً } في عددهم وتم خبر كان، ثم ابتدأ { من الليل ما يهجعون } فـ { ما }: نافية. و { قليلاً } وقف حسن.

وقال بعض النحاة: { ما } زائدة، و { قليلاً } مفعول مقدم بـ { يهجعون }. وقال جمهور النحويين { ما } مصدرية و { قليلاً } خبر " كان " ، والمعنى كانوا قليلاً من الليل هجوعهم. والهجوع مرتفع بـ " قليل " على أنه فاعل، وعلى هذا الإعراب يجيء قول الحسن وغيره، وهو الظاهر عندي أن المراد كان هجوعهم من الليل قليلاً. وفسر ابن عمر والضحاك { يستغفرون } بـ " يصلون ". وقال الحسن معناه: يدعون في طلب المغفرة، و " الأسحار " مظنة الاستغفار. ويروى أن أبواب الجنة تفتح سحر كل يوم. وفي قصة يعقوب عليه السلام في قوله:سوف أستغفر لكم ربي } [يوسف: 98] قال أخر الاستغفار لهم إلى السحر. قال ابن زيد في كتاب الطبري: السحر: السدس الآخر من الليل.

وقوله تعالى: { وفي أموالهم حق } الصحيح أنها محكمة، وأن هذا الحق هو على وجه الندب، لا على وجه الفرض، و: { معلوم } يراد به متعارف، وكذلك قيام الليل الذي مدح به ليس من الفرائض، وأكثر ما تقع الفريضة بفعل المندوبات، وقال منذر بن سعيد: هي الزكاة المفروضة وهذا ضعيف، لأن السورة مكية وفرض الزكاة بالمدينة. وقال قوم من المتأولين: كان هذا ثم نسخ بالزكاة، وهذا غير قوي وما شرع الله عز وجل بمكة قبل الهجرة شيئاً من أخذ الأموال.

واختلف الناس في { المحروم } اختلافاً، هو عندي تخليط من المتأخرين، إذ المعنى واحد، وإنما عبرعلماء السلف في ذلك بعبارات على جهة المثالات فجعلها المتأخرون أقوالاً وحصرها مكي ثمانية.

السابقالتالي
2 3 4