الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَـٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ ٱلْيَوْمَ حَدِيدٌ } * { وَقَالَ قَرِينُهُ هَـٰذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ } * { أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ } * { مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ } * { ٱلَّذِي جَعَلَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهاً آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي ٱلْعَذَابِ ٱلشَّدِيدِ } * { قَالَ قرِينُهُ رَبَّنَا مَآ أَطْغَيْتُهُ وَلَـٰكِن كَانَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ } * { قَالَ لاَ تَخْتَصِمُواْ لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِٱلْوَعِيدِ }

قرأ الجحدري: " لقد كنتِ " على مخاطبة النفس وكذلك كسر الكافات بعد.

وقال صالح بن كيسان والضحاك وابن عباس معنى قوله: { لقد كنت } أي يقال للكافر الغافل من ذوي النفس التي معها السائق والشهيد إذا حصل بين يدي الرحمن وعاين الحقائق التي كان لا يصدق بها في الدنيا ويتغافل عن النظر فيها، { لقد كنت في غفلة من هذا } ، فلما كشف الغطاء عنك الآن احتد بصرك أي بصيرتك وهذا كما تقول: فلان حديد الذهن والفؤاد ونحوه، وقال مجاهد: هو بصر العين إذا احتد التفاته إلى ميزانه وغير ذلك من أهوال القيامة.

وقال زيد بن أسلم قوله تعالى:ذلك ما كنت منه تحيد } [ق: 19] وقوله تعالى: { لقد كنت } الآية، مخاطبة لمحمد صلى الله عليه وسلم، والمعنى أنه خوطب بهذا في الدنيا، أي لقد كنت يا محمد في غفلة من معرفة هذا القصص والغيب حتى أرسلناك وأنعمنا عليك وعلمناك، { فبصرك اليوم حديد } ، وهذا التأويل يضعف من وجوه، أحدها أن الغفلة إنما تنسب أبداً إلى مقصر، ومحمد صلى الله عليه وسلم لا تقصير له قبل بعثه ولا بعده وثان: أن قوله: بعد هذا: { وقال قرينه } يقتضي أن الضمير إنما يعود على أقرب مذكور، وهو الذي يقال له { فبصرك اليوم حديد } وإن جعلناه عائداً على ذي النفس في الآية المتقدمة جاء هذا الاعتراض لمحمد صلى الله عليه وسلم بين الكلامين غير متمكن فتأمله. وثالث: أن معنى توقيف الكافر وتوبيخه على حاله في الدنيا يسقط، وهو أحرى بالآية وأولى بالرصف، والوجه عندي ما قاله الحسن وسالم بن عبد الله إنها مخاطبة للإنسان ذي النفس المذكورة من مؤمن وكافر.

و: { فكشفنا عنك غطاءك } ، قال ابن عباس: هي الحياة بعد الموت، وينظر إلى معنى كشف الغطاء قول النبي صلى الله عليه وسلم: " الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا ".

وقوله تعالى: { وقال قرينه هذا ما لدي عتيد } ، قال جماعة من المفسرين: { قرينه } من زبانية جهنم، أي قال هذا العذاب الذي لدي لهذا الإنسان الكافر حاضر عتيد، ففي هذا تحريض على الكافر واستعجال به. وقال قتادة وابن زيد: { قرينه } الملك الموكل بسوقه، فكأنه قال: هذا الكافر الذي جعل إلى سوقه، فهو لدي حاضر. وقال الزهراوي وقيل: { قرينه } شيطانه.

قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف، وإنما أوقع فيه أن القرين في قوله: { قال قرينه ربنا ما أطغيته } هو شيطانه في الدنيا ومغويه بلا خلاف.

ولفظ القرين: اسم جنس، فسائقه قرين، وصاحبه من الزبانية قرين، وكاتب سيئاته في الدنيا قرين وتحتمله هذه الآية، أي هذا الذي أحصيته عليه عتيد لدي، وهو موجب عذابه، ومماشي الإنسان في طريقه قرين، وقال الشاعر [عدي بن زيد العبادي]: [الطويل]


السابقالتالي
2 3