الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ مَّا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ } * { قُل لاَّ يَسْتَوِي ٱلْخَبِيثُ وَٱلطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ ٱلْخَبِيثِ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يٰأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَآءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ ٱلْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا ٱللَّهُ عَنْهَا وَٱللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ } * { قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ }

قوله تعالى: { ما على الرسول إلا البلاغ } إخبار للمؤمنين فلا يتصور أن يقال هي آية موادعة منسوخة بآيات القتال، بل هذه حال من آمن وشهد شهادة الحق. فإنه إذ قد عصم من الرسول ماله ودمه، فليس على الرسول في جهته أكثر من التبليغ والله تعالى بعد ذلك يعلم ما ينطوي عليه صدره، وهو المجازي بحسب ذلك ثواباً وعقاباً، و { البلاغ } مصدر من بلغ يبلغ، والآية معناها الوعيد للمؤمنين إن انحرفوا ولم يمتثلوا ما بلغ إليهم وقوله { قل لا يستوي } الآية لفظ عام في جميع الأمور يتصور في المكاسب وعدد الناس والمعارف من العلوم ونحوها، فـ { الخبيث } من هذا كله لا يفلح ولا ينجب ولا تحسن له عاقبة، { والطيب } ولو قل نافع جميل العاقبة وينظر إلى هذه الآية قوله تعالى:والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكداً } [الأعراف: 58] والخبث هو الفساد الباطن في الأشياء حتى يظن بها الصلاح والطيب وهي بخلاف ذلك، وهكذا هو الخبث في الإنسان، وقد يراد بلفظة خبيث في الإنسان فساد نسبه، فهذا لفظ يلزم قائله على هذا القصد الحد، وقوله تعالى { فاتقوا الله يا أولي الألباب } تنبيه على لزوم الطيب في المعتقد والعمل، وخص { أولي الألباب } بالذكر لأنهم المتقدمون في ميز هذه الأمور والذي لا ينبغي لهم إهمالها مع البهائم وإدراكهم الإشارة بهذه { الألباب } إلى لب التجربة الذي يزيد على لب التكليف بالحنكة والفطنة المستنبطة والنظر البعيد.

وقوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء } الآية، اختلف الرواة في سببها فقالت فرقة منهم أنس بن مالك وغيره: نزلت بسبب سؤال عبد الله بن حذافة السهمي، وذلك " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد المنبر مغضباً، فقال: لا تسألوني اليوم عن شيء إلا أخبرتكم به، فقام رجل فقال أين أنا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: في النار فقام عبد الله بن حذافة السهمي وكان يطعن في نسبه، فقال من أبي؟ فقال: أبوك حذافة "

قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وفي الحديث مما لم يذكر الطبري فقام آخر فقال من أبي؟ فقال أبوك سالم مولى أبي شيبة، فقام عمر بن الخطاب فجثا على ركبتيه وقال رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً ومحمد نبياً نعوذ بالله من الفتن، وبكى الناس من غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزلت هذه الآية بسبب هذه الاسئلة.

قال القاضي أبو محمد: وصعود رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر مغضباً إنما كان بسبب سؤالات الأعراب والجهال والمنافقين، فكان منهم من يقول أين ناقتي؟ وآخر يقول ما الذي ألقى في سفري هذا؟ ونحو هذا مما هو جهالة أو استخفاف وتعنيت، وقال علي بن أبي طالب وأبو هريرة وأبو أمامة الباهلي وابن عباس، في لفظهم اختلاف، والمعنى واحد،

السابقالتالي
2 3