الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَـٰلاً طَيِّباً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ } * { لاَ يُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغْوِ فِيۤ أَيْمَانِكُمْ وَلَـٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَٱحْفَظُوۤاْ أَيْمَانَكُمْ كَذٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

{ كلوا } في هذه الآية عبارة عن تمتعوا بالأكل والشرب واللباس والركوب. ونحو ذلك، وخص الأكل بالذكر لأنه عظم المقصود وأخص الانتفاعات بالإنسان، والرزق عند أهل السنة ما صح الانتفاع به، وقالت المعتزلة: الرزق كل ما صح تملكه والحرام ليس برزق لأنه لا يصح تملكه. ويرد عليهم بأنه يلزمهم أن آكل الحرام ليس بمرزوق من الله تعالى وقد خرج بعض النبلاء أن الحرام رزق من قوله تعالىكلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور } [سبأ:15] قال فذكر المغفرة مشيراً إلى أن الرزق قد يكون فيه حرام ورد أبو المعالي في الإرشاد على المعتزلة مشيراً إلى أن الرزق ما تملك يلزمهم أن ما ملك فهو الرزق، وملك الله تعالى الأشياء لا يصح أن يقال فيه إنه رزق له.

قال القاضي أبو محمد: وهذا الذي ألزم غير لازم، فتأمله، وباقي الآية بين.

وقد تقدم القول في سورة البقرة في نظير قوله تعالى { لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم } وقوله تعالى: { بما عقدتم } معناه شددتم، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو " عقّدتم " مشددة القاف، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي " عقَدتم " خفيفة القاف، وقرأ ابن عامر " عاقدتم " بألف على وزن فاعلتم، قال أبو علي من شدد القاف احتمل أمرين أحدهما أن يكون لتكثير الفعل لأنه خاطب جماعة والآخر يكون عقد مثل ضعف لا يراد به التكثير كما أن ضاعف لا يراد به فعل من اثنين. ومن قرأ " عقَدتم " فخفف القاف جاز أن يراد به الكثير من الفعل والقليل، وعقد اليمين كعقد الحبل والعهد، وقال الحطيئة:

قوم إذا عقدوا عقداً لجارهم   شدوا العناج وشدوا فوقه الكربا
ومن قرأ " عاقدتم " فيحتمل ضربين أحدهما أن يكون كطارقت النعل وعاقبت اللص، والآخر أن يراد به فاعلت الذي يقتضي فاعلين كأن المعنى يؤاخذكم بما عاقدتم عليه الإيمان، ويعدى عاقد بـ " على " لما هو في معنى عاهد، قال الله تعالى:ومن أوفى بما عاهد عليه الله } [الفتح:10] وهذا كما عديتناديتم إلى الصلاة } [المائدة: 58] بـ " إلى " وبابها أن تقول ناديت زيداً وناديناه من جانب الطور الأيمن } [مريم:52] لكن لما كانت بمعنى دعوت إلى كذا كقوله تعالىومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله } [فصلت:33] عديت نادى بـ " إلى " ، ثم يتسع في قوله تعالى " عاقدتم " عليه الإيمان فيحذف الجار، ويصل الفعل إلى المفعول، ثم يحذف من الصلة الضمير الذي يعود على الموصول، وتقديره يؤاخذكم بما عقدتموه الأيمان. كما حذف من قوله تعالىفاصدع بما تؤمر } [الحجر:94] و { الأيمان } جمع يمين وهي الألية سميت يميناً لما كان عرفهم أن يصفقوا بأيمان بعضهم على بعض عند الألية.

السابقالتالي
2 3 4