الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا جَآءُوكُمْ قَالُوۤاْ آمَنَّا وَقَدْ دَّخَلُواْ بِٱلْكُفْرِ وَهُمْ قَدْ خَرَجُواْ بِهِ وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا كَانُواْ يَكْتُمُونَ } * { وَتَرَىٰ كَثِيراً مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ ٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ عَن قَوْلِهِمُ ٱلإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } * { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ ٱلْعَدَاوَةَ وَٱلْبَغْضَآءَ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ كُلَّمَآ أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا ٱللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأَرْضِ فَسَاداً وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُفْسِدِينَ }

الضمير في { جاؤوكم } لليهود المعاصرين لمحمد صلى الله عليه وسلم وخاصة للمنافقين. نص على ذلك ابن عباس وقتادة والسدي، ثم أخبر تعالى عنهم أنهم دخلوا وهم كفار وخرجوا كذلك لم تنفعهم الموعظة ولا نفع فيهم التذكير، وقوله: { وهم } تخليص من احتمال العبارة أن يدخل قوم بالكفر ثم يؤمنوا ويخرج قوم وهم كفرة فكان ينطبق على الجميع وقد دخلوا بالكفر وقد خرجوا به، فأزال الاحتمال قوله تعالى: { وهم قد خرجوا به } أي هم بأعيانهم ثم فضحهم تعالى بقوله: { والله أعلم بما كانوا يكتمون } أي من الكفر.

وقوله تعالى لنبيه: { وترى } يحتمل أن يكون من رؤية البصر ويحتمل من رؤية القلب ويكون المفعول الثاني { يسارعون } ، وعلى الاحتمال الأول { يسارعون } حال، { في الإثم } معناه في موجبات هؤلاء كفرهم { والعدوان } مصدر من عدا الرجل إذا ظلم وتجاوز الحد، و { السحت } هو الرشا وسائر مكسبهم الخبيث، واللام في { لبئس } لام قسم، وقرأ أبو حيوة " والعِدوان " بكسر العين.

وقوله تعالى: { لولا ينهاهم الربانيون والأحبار } تخصيص في ضمنه توبيخ لهم إذ تركوا اللازم، قال الطبري: كل العلماء يقولون ما في القرآن آية هي أشد توبيخاً للعلماء من هذه الآية ولا أخوف عليهم منها، وقال الضحاك بن مزاحم: ما في القرآن آية أخوف عندي منها إنا لا ننهى، وقال نحو هذا ابن عباس، وقرأ الجراح وأبو واقد " الرِبانيون " بكسر الراء واحدهم ربي إما منسوب إلى علم الرب وإما من تربية الناس بصغار العلم قبل كباره، وزيدت النون في نسبته مبالغة كشعراني ومنظراني ومخبراني، وقال الحسن: الرباني عالم الإنجيل والحبر عالم التوراة.

قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وقوله في الرباني شاذ بعيد. و { الأحبار } واحدهم حِبر بكسر الحاء وفتحها وهم العلماء الذين لا يعنون لإصلاح الناس ولا يكلفون ذلك، والرباني هو العالم المدير المصلح، وقوله تعالى: { عن قولهم الإثم } ظاهر أن { الإثم } هنا يراد به الكفر، ويحتمل أن يراد به سائر أقوالهم المنكرة في النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وقرأ عباس " بئس ما كانوا يصنعون " بغير لام قسم.

وقوله تعالى: { وقالت اليهود } إلى قوله { لا يحب المفسدين } هذه الآية تعديد كبيرة من أقوالهم وكفرهم أي فمن يقول هذه العظيمة فلا يستنكر عليه أن ينافق عليك يا محمد ويسعى في رد أمر الله الذي أوحاه إليك، وقال ابن عباس وجماعة من المتأولين معنى قولهم التبخيل، وذلك أنهم لحقتهم سنة وجهد فقالوا هذه العبارة يعنون بها أن الله بخل عليهم بالرزق والتوسعة، وهذا المعنى يشبه ما في قوله تعالى:ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك }

السابقالتالي
2 3