الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } * { وَمَن يَتَوَلَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْغَالِبُونَ } * { يَـٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُواً وَلَعِباً مِّنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَٱلْكُفَّارَ أَوْلِيَآءَ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }

الخطاب بقوله: { إنما وليكم الله } الآية للقوم الذين قيل لهملا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء } [المائدة: 51]، و { إنما } في هذه الآية حاصرة يعطي ذلك المعنى، وولي اسم جنس، وقرأ ابن مسعود " إنما موليكم الله " وقوله: { والذين آمنوا } أي ومن آمن من الناس حقيقة لا نفاقاً وهم { الذين يقيمون الصلاة } المفروضة بجميع شروطها { ويؤتون الزكاة } ، وهي هنا لفظ عام للزكاة المفروضة وللتطوع بالصدقة ولكل أفعال البر، إذ هي تنمية للحسنات مطهرة للمرء من دنس الذنوب، فالمؤمنون يؤتون من ذلك كل بقدر استطاعته، وقرأ ابن مسعود " آمنوا والذين يقيمون " بواو، وقوله تعالى: { وهم راكعون } جملة معطوفة على جملة، ومعناها وصفهم بتكثير الصلاة وخص الركوع بالذكر لكونه من أعظم أركان الصلاة، وهو هيئة تواضع فعبر به عن جميع الصلاة، كما قالوالركع السجود } [البقرة:125] وهي عبارة عن المصلين، وهذا قول جمهور المفسرين، ولكن اتفق أن علياً بن أبي طالب أعطى صدقة وهو راكع، قال السدي: هذه الآية في جمع المؤمنين ولكن علياً بن أبي طالب مر به سائل وهو راكع في المسجد فأعطاه خاتمه، وروي في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من بيته وقد نزلت عليه الآية فوجد مسكيناً فقال له هل أعطاك أحد شيئاً فقال نعم، أعطاني ذلك الرجل الذي يصلي خاتماً من فضة، وأعطانيه وهو راكع، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم فإذا الرجل الذي أشار إليه علي بن أبي طالب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم، الله أكبر وتلا الآية على الناس.

قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وقال مجاهد: نزلت الآية في علي بن أبي طالب تصدق وهو راكع، وفي هذا القول نظر، والصحيح ما قدمناه من تأويل الجمهور، وقد قيل لأبي جعفر نزلت هذه الآية في علي، فقال علي من المؤمنين، والواو على هذا القول في قوله { وهم } واو الحال، وقام قوم نزلت الآية من أولها بسبب عبادة بن الصامت وتبريه من بني قينقاع, وقال ابن الكلبي نزلت بسبب قوم أسلموا من أهل الكتاب فجاؤوا فقالوا يا رسول الله بيوتنا بعيدة ولا متحدث لنا إلا مسجدك وقد أقسم قومنا أن لا يخالطونا ولا يوالونا، فنزلت الآية مؤنسة لهم.

ثم أخبر تعالى أن من يتول الله ورسوله والمؤمنين فإنه غالب كل من ناوأه، وجاءت العبارة عامة { فإن حزب الله هم الغالبون } اختصاراً لأن المتولي هو من حزب الله، وحزب الله غالب، فهذا الذي تولى الله ورسوله والمؤمنين غالب، و { من } يراد بها الجنس لا مفرد بعينه، و " الحزب " الصاغية والمنتمون إلى صاحب الحزب والمعانون فيما يحزب، ومنه قول عائشة في حمنة: وكانت تحارب في أمر الإفك فهلكت فيمن هلك، ثم نهى الله تعالى المؤمنين عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء، فوسمهم بوسم يحمل النفوس على تجنبهم، وذلك اتخاذهم دين المؤمنين { هزواً ولعباً } والهزء السخرية والازدراء ويقرأ " هزُؤاً " بضم الزاي والهمز، و " هزْؤاً " بسكون الزاي والهمز ويوقف عليه هزاً بتشديد الزاي المفتوحة, و " هزُواً " بضم الزاي وتنوين الواو, و " هزاً " بزاي مفتوحة منونة، ثم بين تعالى جنس هؤلاء أنهم من أهل الكتاب اليهود والنصارى، واختلف القراء في إعراب { الكفار } فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم وحمزة: " والكفارَ " نصباً، وقرأ أبو عمرو والكسائي " والكفارِ " خفضاً، وروى حسين الجعفي عن أبي عمرو النصب، قال أبو علي: حجة من قرأ بالخفض حمل الكلام على أقرب العاملين وهي لغة التنزيل.

السابقالتالي
2