الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأَنِ ٱحْكُم بَيْنَهُمْ بِمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ وَٱحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَٱعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلنَّاسِ لَفَاسِقُونَ } * { أَفَحُكْمَ ٱلْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ ٱللَّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ }

{ وأن احكم } معطوف على { الكتاب } في قوله:وأنزلنا إليك الكتاب } [المائدة:48]، وقال مكي: وهو معطوف على " الحق " في قوله:وأنزلنا إليك الكتاب بالحق } [المائدة:48]، والوجهان حسنان، ويقرأ بضم النون من " أنُ احكم " مراعاة للضمة في عين الفعل المضارع، ويقرأ بكسرها على القانون في التقاء الساكنين، وهذه الآية ناسخة عند قوم للتخيير الذي في قولهأو أعرض عنهم } [المائدة:42] وقد تقدم ذكر ذلك، ثم نهاه تعالى عن اتباع أهواء بني إسرائيل إذ هي مضلة، والهوى في الأغلب إنما يجيء عبارة عما لا خير فيه، وقد يجيء أحياناً مقيداً بما فيه خير، من ذلك قول عمر بن الخطاب في قصة رأيه ورأي أبي بكر في أسرى بدر: فهوى رسول الله رأي أبي بكر، ومنه قول عمر بن عبد العزيز وقد قيل له ما ألذ الأشياء عندك؟ قال: حق وافق هوى، والهوى مقصور ووزنه فعل، ويجمع على أهواء، والهواء ممدود ويجمع على أهوية، ثم حذر تبارك وتعالى من جهتهم " أن يفتنوه " أي يصرفوه بامتحانهم وابتلائهم عن شيء مما أنزل الله عليه من الأحكام، لأنهم كانوا يريدون أن يخدعوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا له مراراً احكم لنا في نازلة كذا بكذا ونتبعك على دينك، وقوله تعالى: { فإن تولوا } قبله محذوف من الكلام يدل عليه الظاهر، تقديره لا تتبع واحذر، فإن حكموك مع ذلك واستقاموا فنعما ذلك وإن تولوا فاعلم، ويحسن أن يقدر هذا المحذوف المعادل بعد قوله { الفاسقون } ، قوله تعالى: { فاعلم } الآية وعد للنبي صلى الله عليه وسلم فيهم، وقد أنجزه بقصة بني قينقاع وقصة قريظة والنضير وإجلاء عمر أهل خيبر وفدك وغيرهم، وخصص تعالى إصابتهم ببعض الذنوب دون كلها لأن هذا الوعيد إنما هو في الدنيا وذنوبهم فيها نوعان: نوع يخصهم كشرب الخمر ورباهم ورشاهم ونحو ذلك، ونوع يتعدى إلى النبي والمؤمنين كمعاملاتهم للكفار وأقوالهم في الدين، فهذا النوع هو الذي يوجد إليهم السبيل وبه هلكوا وبه توعدهم الله في الدنيا، فلذلك خصص البعض دون الكل، وإنما يعذبون بالكل في الآخرة،وقوله تعالى: { وإن كثيراً من الناس لفاسقون } إشارة إليهم لكن جاءت العبارة تعمهم وغيره ليتنبه سواهم ممن كان على فسق ونفاق وتولٍّ عن النبي عليه السلام فيرى أنه تحت الوعيد.

واختلف القراء في قوله تعالى: { أفحكم الجاهلية يبغون } فقرأ الجمهور بنصب الميم على إعمال فعل ما يلي ألف الاستفهام بينه هذا الظاهر بعد، وقرأ يحيى بن وثاب والسلمي وأبو رجاء والأعرج " أفحكُم " برفع الميم، قال ابن مجاهد: وهي خطأ، قال أبو الفتح: ليس كذلك ولكنه وجه غيره أقوى منه.

وقد جاء في الشعر، قال أبو النجم:


السابقالتالي
2