الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَآ أَنَّ ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ وَٱلْعَيْنَ بِٱلْعَيْنِ وَٱلأَنْفَ بِٱلأَنْفِ وَٱلأُذُنَ بِٱلأُذُنِ وَٱلسِّنَّ بِٱلسِّنِّ وَٱلْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أنزَلَ ٱللَّهُ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ }

" الكتب " في هذه الآية هو حقيقة كتب في الألواح، وهو بالمعنى كتب فرض وإلزام، والضمير في { عليهم } لبني إسرائيل وفي { فيها } للتوراة، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر { أن النفس بالنفس } بنصب النفس على اسم { أن } وعطف ما بعد ذلك منصوباً على { النفس } ويرفعون " والجروحُ قصاص " على أنها جملة مقطوعة. وقرأ نافع وحمزة وعاصم بنصب ذلك كله. و { قصاص } خبر { أن } وروى الواقدي عن نافع أنه رفع " والجروحُ " وقرأ الكسائي " أن النفسَ بالنفس " نصباً ورفع ما بعد ذلك، فمن نصب " والعينَ " جعل عطف الواو مشركاً في عمل " أن " ولم يقطع الكلام مما قبله. ومن رفع " والعينُ " فيتمثل ذلك من الأعراب أن يكون قطع مما قبل، وصار عطف الواو عطف جملة كلام لا عطف تشريك في عامل، ويحتمل أن تكون الواو عاطفة على المعنى لأن المعنى لأن معنى قوله: { وكتبنا عليهم أن النفس بالنفس } قلنا لهم النفس بالنفس, ومثله لما كان المعنى في قوله تعالى:يطاف عليهم بكأس من معين } [الصافات:45] يمنحون كأساً من معين عطف وحوراً عيناً على ذلك، ويحتمل أن يعطف قوله { والعين } على الذكر المستتر في الطرق الذي هو الخبر وإن لم يؤكد المعطوف عليه بالضمير المنفصل كما أكد في قوله تعالى:إنه يراكم هو قبيلة من حيث لا ترونهم } [الأعراف:27] وقد جاء مثله غير مؤكد في قوله تعالى:ما أشركنا ولا آباؤنا } [الأنعام:148].

قال القاضي أبو محمد: ولسيبويه رحمه الله في هذه الآية أن العطف ساغ دون توكيد بضمير منفصل لأن الكلام طال بـ { لا } في قوله: { ولا آباؤنا } فكانت { لا } عوضاً من التوكيد كما طال الكلام في قولهم حضر القاضي اليوم امرأة، قال ابو علي: وهذا إنما يستقيم أن يكون عوضاً إذا وقع قبل حرف العطف فهناك يكون عوضاً من الضمير الواقع قبل حرف العطف، فأما إذا وقع بعد حرف العطف فلا يسد مسد الضمير، ألا ترى أنك قلت حضر امرأة القاضي اليوم لم يغن طول الكلام في غير الموضع الذي ينبغي أن يقع فيه.

قال القاضي أبو محمد: وكلام سيبويه متجه على النظر النحوي وإن كان الطول قبل حرف العطف أتم فإنه بعد حرف العطف مؤثر لا سيما في هذه الآية، لأن { لا } ربطت المعنى إذ قد تقدمها نفي ونفت هي أيضاً عن الآباء فتمكن العطف، قال أبو علي ومن رفع " والجروحُ قصاص " فقطعه مما قبله فإن ذلك يحتمل هذه الوجوه الثلاثة التي احتملها رفع والعين، ويجوز أن يستأنف والجروح ليس على أنه مما كتب عليهم في التوراة، لكن على استئناف إيجاب وابتداء شريعة.

السابقالتالي
2 3