الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي ٱلْكُفْرِ مِنَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ ٱلْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـٰذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَٱحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَمْ يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ }

قرأ جمهور الناس " الكِلم " بفتح الكاف وكسر اللام، وقرأ بعض الناس " الكِلْم " بكسر الكاف وسكون اللام وهي لغة ضعيفة في كلمة، وقوله تعالى: { يحرفون الكلم } صفة لليهود فيما حرفوا من التوراة إذ ذاك أخطر أمر حرفوا فيه. ويحتمل أن يكون صفة لهم وللمنافقين فيما يحرفون من الأقوال عند كذبهم، لأن مبادىء كذبهم لا بد أن تكون من أشياء قيلت أو فعلت، وهذا هو الكذب المزين الذي يقرب قبوله، وأما الكذب الذي لا يرفد بمبدأ فقليل الأثر في النفس، وقوله: { من بعد مواضعه } أي من بعد أن وضع مواضعه وقصدت به وجوهه القويمة والإشارة بهذا قيل هي إلى التحميم والجلد في الزنا، وقيل:هي إلى قبول الدية في أمر القتل، وقيل إلى إبقاء عزة النضير على قريظة، وهذا بحسب الخلاف المتقدم في الآية، ثم قال تعالى لنبيه على جهة قطع الرجاء فيهم { ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئاً } أي لا تتبع نفسك أمرهم، والفتنة هنا المحنة بالكفر والتعذيب في الآخرة، ثم أخبر تعالى عنهم أنهم الذين سبق لهم في علم الله ألا " يطهر قلوبكم " وأن يكونوا مدنسين بالكفر، ثم قرر تعالى " الخزي في الدنيا ". والمعنى بالذلة والمسكنة التي انضربت عليهم في أقطار الأرض وفي كل أمة، وقرر لهم العذاب في الآخرة بكفرهم.

وقوله: { سماعون للكذب } إن كان الأول في بني إسرائيل فهذا تكرار تأكيد ومبالغة، وإن كان الأول في المنافقين فهذا خبر أيضاً عن بني إسرائيل وقوله تعالى: { أكالون للسحت } فعالون مبالغة بناء أي يتكرر أكلهم له ويكثر. و " السحت " كل ما لا يحل كسبه من المال. وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة " السحْت " ساكنة الحاء خفيفة، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي " السحُت " مضمومة الحاء مثقلة. وروي عن خارجة بن مصعب عن نافع " السِّحْت " بكسر السين وسكون الحاء واللفظة مأخوذة من قولهم سحت وأسحت إذا استأصل وأذهب فمن الثلاثي قوله تعالى:فيسحتكم بعذاب } [طه:61] ومن الرباعي قول الفرزدق:

إلا مسحتاً أو مجلف   
والسُّحْت والسُّحُت بضم السين وتخفيف الحاء وتثقيلها لغتان في اسم الشيء المسحوت، والسحْت بفتح السين وسكون الحاء المصدر، سمي به المسحوت كما سمي المصدي صيداً في قوله عز وجللا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } [المائدة: 95] وكما سمي المرهون رهناً، وهذا كثير.

قال القاضي أبو محمد: فسمي المال الحرام سحتاً لأنه يذهب وتستأصله النوب، كما قال عليه السلام " من جمع مالاً من تهاوش أذهبه الله في نهابير " ، وقال مكي سمي المال الحرام سحتاً لأنه يذهب من حيث يسحت الطاعات أي يذهب بها قليل قليلاً، وقال المهدوي من حيث يسحت أديانهم.

السابقالتالي
2 3