الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ لَهُ مُلْكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَآءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

المعنى عند جمهور أهل العلم أن من { تاب } من السرقة فندم على ما مضى وأقلع في المستأنف وأصلح برد الظلامة إن أمكنه إن أمكنه ذلك وإلا فبإنفاقها في سبيل الله { وأصلح } أيضاً في سائر أعماله وارتفع إلى فوق { فإن الله يتوب عليه } ويذهب عنه حكم السرقة فيما بينه وبين الله تعالى، وهو في المشيئة مرجو له الوعد وليس تسقط عنه التوبة حكم الدنيا من القطع إن اعترف أو شهد عليه وقال مجاهد: التوبة والإصلاح هي أن يقام عليه الحد.

قال القاضي أبو محمد: وهذا تشديد وقد جعل الله للخروج من الذنوب بابين أحدهما الحد والآخر التوبة، وقال الشافعي: إذا تاب السارق قبل أن يتلبس الحاكم بأخذه فتوبته ترفع عنه حكم القطع قياساً على توبة المحارب.

وقوله: { ألم تعلم } الآية توقيف وتنبيه على العلة الموجبة لإنفاذ هذه الأوامر في المحاربين والسرقة والإخبار بهذا التعذيب لقوم والتوبة على آخرين وهي ملكه تعالى لجميع الأشياء، فهو بحق الملك لا معقب لحكمه ولا معترض عليه.

وقوله تعالى: { يا أيها الرسول } الآية تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وتقوية لنفسه بسبب ما كان يلقى من طوائف المنافقين وبني إسرائيل، والمعنى قد وعدناك النصر والظهور عليهم فـ { لا يحزنك } ما يقع منهم خلال بقائهم، وقرأ بعض القراء " يَحزُنك " بفتح الياء وضم الزاي تقول العرب حزن الرجل بكسر الزاي وحزنته بفتحها وقرأ بعض القراء " يُحزِنك " بضم الياء وكسر الزاي لأن من العرب من يقول أحزنت الرجل بمعنى حزنته وجعلته ذا حزن، وقرأ الناس يسارعون. وقرأ الحر النحوي " يسرعون " دون ألف ومعنى المسارعة في الكفر البدار إلى نصره وإقامة حججه والسعي في إطفاء الإسلام به واختلف المفسرون في ترتيب معنى الآية وفيمن المراد بقوله { بأفواههم } وفي سبب نزول الآية فأما سببها فروي عن أبي هريرة رضي الله عنه وابن عباس وجماعة أنهم قالوا: نزلت هذه الآية بسبب الرجم.

قال القاضي أبو محمد: وذلك أن يهودياً زنى بيهودية وكان في التوراة رجم الزناة، وكان بنو إسرائيل قد غيروا ذلك وردوه جلداً وتحميم وجوه، لأنهم لم يقيموا الرجم على أشرافهم وأقاموه على صغارهم في القدر فاستقبحوا ذلك وأحدثوا حكماً سووا فيه بين الشريف والمشروف، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة زنى رجل من اليهود بامرأة فروي أن ذلك كان بالمدينة. وروي أنه كان في غير المدينة في يهود الحجاز، وبعثوا إلى يهود المدينة وإلى حلفائهم من المنافقين أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النازلة وطمعوا بذلك أن يوافقهم على الجلد والتحميم فيشتد أمرهم بذلك.

السابقالتالي
2 3