{ اتل } معناه اسرد وأسمعهم إياه، وهذه من علوم الكتب الأول التي لا تعلق لمحمد صلى الله عليه وسلم بها إلا من طريق الوحي، فهو من دلائل نبوته، والضمير في { عليهم } ظاهر أمره أنه يراد به بنو إسرائيل لوجهين: أحدهما أن المحاورة فيما تقدم إنما هي في شأنهم وإقامة الحجج عليهم بسبب همهم ببسط اليد إلى محمد صلى الله عليه وسلم، والثاني أن علم { نبأ ابني آدم } إنما هو عندهم وفي غامض كتبهم، وعليهم تقوم الحجة في إراده والنبأ الخبر. و " ابنا آدم " هم في قول جمهور المفسرين لصلبه. وهما قابيل وهابيل، وقال الحسن بن أبي الحسن البصري " ابنا آدم " ليسا لصلبه ولم تكن القرابين إلا في بني إسرائيل. قال القاضي أبو محمد: وهذا وهم، وكيف يجهل صورة الدفن أحد من بني إسرائيل حتى يقتدي بالغراب، والصحيح قول الجمهور وروي أن تقريبهما للقربان إنما كان تحنثاً وتطوعاً. وكان قابيل صاحب زرع فعمد إلى أرذل ما عنده وأدناه فقربه، وكان هابيل صاحب غنم، فعمد إلى أفضل كباشه فقربه، وكانت العادة حينئذ أن يقرب المقرب قربانه ويقوم يصلي ويسجد، فإن نزلت نار وأكلت القربان فذلك دليل للقبول وإلا كان تركه دليل عدم القبول، فلما قرب هذان كما ذكرت فنزلت النار وأخذت كبش هابيل فرفعته وسترته عن العيون وتركت زرع قابيل، قال سعيد بن جبير وغيره: فكان ذلك الكبش يرتع في الجنة حتى أهبط إلى إبراهيم في فداء ابنه، قال سائقو هذا القصص، فحسد قابيل هابيل وقال له: أتمشي على الأرض يراك الناس أفضل مني؟ وكان قابيل أسن ولد " آدم ". وروي أن " آدم " سافر إلى مكة ليرى الكعبة وترك قابيل وصياً على بنيه فجرت هذه القصة في غيابه، وروت جماعة من المفسرين منهم ابن مسعود: أن سبب هذا التقريب أن حواء كانت تلد في كل بطن ذكراً وأنثى فكان الذكر يزوج أنثى البطن الآخر، ولا تحل له أخته توأمته، فولدت مع قابيل أخت جميلة، ومع هابيل أخت ليست كذلك فلما أراد آدم تزويجهما قال قابيل: أنا أحق بأختي، فأمره " آدم " فلم يأتمر، فاتفقوا على التقريب، وروي أن آدم حضر ذلك فتقبل قربان هابيل ووجب أن يأخذ أخت قابيل، فحينئذ قال له { لأقتلنك } وقوله هابيل: { إنما يتقبل الله من المتقين } كلام قبله محذوف تقديره ولم تقتلني وأنا لم أجنِ شيئاً ولا ذنب لي في قبول الله قرباني؟ أما إني اتقيته وكنت على لاحب الحق. و { إنما يتقبل الله من المتقين }. قال القاضي أبو محمد عبد الحق: وإجماع أهل السنة في معنى هذه الألفاظ إنها اتقاء الشرك، فمن اتقاه وهو موحد فأعماله التي تصدق فيها نيته مقبولة، وأما المتقي للشرك والمعاصي فله الدرجة العليا من القبول والحتم بالرحمة، علم ذلك بأخبار الله تعالى، لا أن ذلك يجب على الله تعالى عقلاً وقال عدي بن ثابت وغيره: قربان متقي هذه الأمة الصلاة.