الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمَا ٱدْخُلُواْ عَلَيْهِمُ ٱلْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى ٱللَّهِ فَتَوَكَّلُوۤاْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } * { قَالُواْ يَامُوسَىۤ إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَآ أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَٱذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاۤ إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ } * { قَالَ رَبِّ إِنِّي لاۤ أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَٱفْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ } * { قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي ٱلأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ }

قرأ ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد " يُخافون " بضم الياء، وقرأ الجمهور " يَخافون " بفتح الياء، وقال أكثر المفسرين: الرجلان يوشع بن نوف وهو ابن أخت موسى وكالب بن يوفنا، ويقال فيه كلاب، ويقال كالوث بثاء مثلثة ويقال في اسم أبيه يوفيا، وهو صهر " موسى " على أخته، قال الطبري: اسم زوجته مريم بنت عمران، ومعنى { يخافون } أي الله، وأنعم عليهما بالإيمان الصحيح وربط الجأش والثبوت في الحق، وقال قوم المعنى يخافون العدو لكن { أنعم الله عليهما } بالإيمان والثبوت مع خوفهما، ويقوي التأويل الأول أن في قراءة ابن مسعود: " قال رجلان من الذين يخافون الله أنعم عليهما ". وأما من قرأ بضم الياء فلقراءته ثلاثة معان، أحدها ما روي من أن الرجلين كانت من الجبارين آمنا بموسى واتبعاه، فكانا من القوم الذين يخافون لكن { أنعم الله عليهما } بالإيمان بموسى فقالا نحن أعلم بقومنا، والمعنى الثاني أنهما يوشع وكالوث لكنهما من الذين يوقرون ويسمع كلامهم ويهابون لتقواهم وفضلهم، فهم " يخافون " بهذا الوجه. والمعنى الثالث أن يكون الفعل من أخاف والمعنى من الذين يخافون بأوامر الله ونواهيه ووعيده وزجره، فيكون ذلك مدحاً لهم على نحو المدح في قوله تعالى:أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى } [الحجرات:3] وقوله تعالى: { أنعم الله عليهما } صفة للرجلين، والباب هو باب مدينة الجبارين فيما ذكر المفسرون والمعنى اجتهدوا وكافحوا حتى تدخلوا الباب، وقوله: { فإنكم غالبون } ظن منهما ورجاء وقياس إنكم بذلك تفتون في أعضادهم ويقع الرعب في قلوبهم فتغلبونهم، وفي قراءة ابن مسعود " عليهما ويلكم ادخلوا " وقولهما: { وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين } يقتضي أنهما استرابا بإيمانهم حين رأياهم يعصون الرسول ويجبنون مع وعد الله تعالى لهم بالنصر.

ثم إن بني إسرائيل لجوا في عصيانهم وسمعوا من العشرة النقباء الجواسيس الذين خوفوهم أمر الجبارين ووصفوا لهم قوة الجبارين وعظم خلقهم فصمموا على خلاف أمر الله تعالى: و { قالوا يا موسى إنّا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنّا ها هنا قاعدون } وهذه عبارة تقتضي كفراً، وذهب بعض الناس إلى أن المعنى اذهب أنت وربك يعينك وأن الكلام معصية لا كفر.

قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وقولهم { فقاتلا } يقطع بهذا التأويل، وذكر النقاش عن بعض المفسرين أن المراد بالرب هنا هارون لأنه كان أسنّ من " موسى " وكان معظماً في بني إسرائيل محبباً لسعة خلقه ورحب صدره، فكأنهم قالوا اذهب انت وكبيرك.

قال القاضي أبو محمد: وهذا تأويل بعيد، وهارون إنما كان وزيراً لموسى وتابعاً له في معنى الرسالة، ولكنه تأويل يخلص بني إسرائيل من الكفر، وذكر الطبري عن قتادة أنه قال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما عزم على قتال قريش في عام الحديبية، جمع العسكر وكلم الناس في ذلك فقال له المقداد بن الأسود: لسنا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل " اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هنا قاعدون " لكنا نقول: اذهب أنت وربك فقاتلا إنّا معكما مقاتلون.

السابقالتالي
2 3 4