الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ } * { مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَآ أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ }

اختلف المفسرون في وقت وقوع هذا القول. فقال السدي وغيره: لما رفع الله عيسى إليه قالت النصارى ما قالت وزعموا أن عيسى أمرهم بذلك، فسأله تعالى حينئذ عن قولهم فقال { سبحانك } الآية.

قال القاضي أبو محمد: فتجيء { قال } على هذا متمكنة في المضي ويجيء قوله آخراًوإن تغفر لهم } [المائدة:118] أي بالتوبة من الكفر، لأن هذا ما قاله عيسى عليه السلام وهم أحياء في الدنيا وقال ابن عباس وقتادة وجمهور الناس: هذا القول من الله إنما هو في يوم القيامة، يقول الله له على رؤوس الخلائق، فيرى الكفار تبريه منهم، ويعلمون أن ما كانوا فيه باطل.

قال القاضي أبو محمد: وقال على هذا التأويل بمعنى يقول. ونزل الماضي موضع المستقبل دلالة على كون الأمر وثبوته، وقوله آخراًوإن تغفر لهم } [المائدة:118] معناه إن عذبت العالم كله فبحقك وإن غفرت وسبق ذلك في علمك فلأنك أهل لذلك لا معقب لحكمك ولا منازع لك، فيقول عيسى هذا على جهة التسليم والتعزي عنهم مع علمه بأنهم كفرة قد حتم عليهم العذاب، وليس المعنى أنه لا بد من أن تفعل أحد هذين الأمرين. بل قال هذا القول مع علمه بأن الله لا يغفر أن يشرك به. وفائدة هذا التوقيف على قول من قال إنه في يوم القيامة ظهور الذنب على الكفرة في عبادة عيسى وهو توقيف له يتقرر منه بيان ضلال الضالين.

وسبحانك معناه تنزيهاً لك عن أن يقال هذا وينطق بـه، وقوله { ما يكون لي أن أقول }....الآية. بقي يعضده دليل العقل، فهذا ممتنع عقلاً أن يكون لبشر محدث أن يدعي الألوهية وقد تجيء هذه الصيغة فيما لا ينبغي ولا يحسن مع إمكانه، ومنه قول الصديق رضي الله عنه: ما كان لابن قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال { إن كنت قلته فقد علمته } فوفق الله عيسى عليه السلام لهذه الحجة البالغة، وقوله { تعلم ما في نفسي } بإحاطة الله به، وخص النفس بالذكر لأنها مظنة الكتم والانطواء على المعلومات، والمعنى: أن الله يعلم ما في نفس عيسى ويعلم كل هذه الآية على قول من قال: إن توقيف عيسى عليه السلام كان إثر رفعه مستقيمة المعنى. لأنه قال عنهم هذه المقالة وهم أحياء في الدنيا وهو لا يدري على ما يوافون. وهي على قول من قال إن التوقيف هو يوم القيامة بمعنى أن سبقت لهم كلمة العذاب كما سبقت فهم عبادك تصنع بحق الملك ما شئت لا أمره مما عسى أن يكون في نفسه، وقوله { ولا أعلم ما في نفسك } معناه ولا أعلم ما عندك من المعلومات وما أحطت به.

السابقالتالي
2