الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ ٱللَّهُمَّ رَبَّنَآ أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنْكَ وَٱرْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ } * { قَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّيۤ أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ ٱلْعَالَمِينَ }

ذكر الله تعالى عن عيسى أنه أجابهم إلى دعاء الله في أمر المائدة. فروي أنه لبس جبة شعر ورداء شعر وقام يصلي ويبكي ويدعو. و { اللهم } عند سيبويه أصلها يا الله فجعلت الميمان بدلاً من ياء و { ربنا } منادى آخر، ولا يكون صفة لأن { اللهم } يجري مجرى الأصوات من أجل ما لحقه من التغيير، وقرأ الجمهور " تكون لنا " على الصفة للمائدة. وقرأ ابن مسعود والأعمش " تكن لنا " على جواب { أنزل } والعيد: المجتمع واليوم المشهود، وعرفه أن يقال فيما يستدير بالسنة أو بالشهر والجمعة ونحوه. وهو من عاد يعود فأصله الواو ولكن لزمته الياء من أجل كسرة العين، وقرأ جمهور الناس " لأولنا وآخرنا " وقرأ زيد بن ثابت وابن محيصن والجحدري: " لأولنا وأخرانا ". واختلف المتأولون في معنى ذلك، فقال السدي وقتادة وابن جريج وسفيان: لأولنا معناه لأول الأمة ثم لمن بعدهم حتى لآخرها يتخذون ذلك اليوم عيداً. وروي عن ابن عباس أن المعنى يكون مجتمعاً لجميعنا أولنا وآخرنا، قال: وأكل من المائدة حين وضعت أول الناس كما أكل آخرهم.

قال القاضي أبو محمد: فالعيد على هذا لا يراد به المستدير، وقوله { وآية منك } أي علامة على صدقي وتشريفي. فأجاب الله دعوة عيسى وقال { إني منزلها عليكم } ثم شرط عليهم شرطه المتعارف في الأمم أنه من كفر بعد آية الاقتراح عذب أشد عذاب، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم " إني مُنَزّلها " بفتح النون وشد الزاي، وقرأ الباقون " منْزلها " بسكون النون، والقراءتان متجهتان نزل وأنزل بمعنى واحد، وقرأ الأعمش وطلحة بن مصرف، " قال الله إني سأنزلها عليكم " ، واختلف الناس في نزول المائدة، فقال الحسن بن أبي الحسن ومجاهد: إنهم لما سمعوا الشرط في تعذيب من كفر استعفوها فلم تنزل. قال مجاهد فهو مثل ضربه الله تعالى للناس لئلا يسألوا هذه الآيات، وقال جمهور المفسرين: نزلت المائدة، ثم اختلفت الروايات في كيفية ذلك، فروى الشعبي عن أبي عبد الرحمن السلمي، قال: نزلت المائدة خبزاً وسمكاً، وقال عطية: المائدة سمكة فيها طعم كل طعام، قال ابن عباس نزل خوان عليه خبز وسمك يأكلون منه أين ما نزلوا إذا شاؤوا، وقاله وهب بن منبه، قال إسحاق بن عبد الله: نزلت المائدة عليها سبعة أرغفة وسبعة أحوات، قال: فسرق منها بعضهم فرفعت، وقال عمار بن ياسر: سألوا عيسى عليه السلام مائدة يكون عليها طعام لا ينفد، فقيل لهم: فإنها مقيمة لكم وما لم تخبئوا أو تخونوا، فإن فعلتم عذبتم قال فما مضى يوم حتى خبؤوا وخانوا فمسخوا قردة وخنازير، وقال ابن عباس في المائدة أيضاً،كان طعام ينزل عليهم حيث ما نزلوا، وقال عمار بن ياسر: نزلت المائدة عليها ثمار من ثمار الجنة، وقال ميسرة: كانت المائدة إذا وضعت لبني إسرائيل اختلفت عليها الأيدي بكل طعام إلا اللحم.

السابقالتالي
2