الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ تُكَلِّمُ ٱلنَّاسَ فِي ٱلْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ ٱلْكِتَابَ وَٱلْحِكْمَةَ وَٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِىءُ ٱلأَكْمَهَ وَٱلأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ ٱلْمَوتَىٰ بِإِذْنِيِ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِٱلْبَيِّنَاتِ فَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـٰذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ }

يحتمل أن يكون العامل في { إذ } فعلاً مضمراً تقديره اذكر يا محمد إذ جئتهم بالبينات و { قال } هنا بمعنى يقول، لأن ظاهر هذا القول أنه في القيامة تقدمة لقوله أنت قلت للناس، وذلك كله أحكام لتوبيخ الذين يتحصلون كافرين بالله في ادعائهم ألوهية عيسى، ويحتمل أن تكون { إذ } بدلاً من قولهيوم يجمع الله } [المائدة:109] ونعمة الله على عيسى هي بالنبوءة وسائر ما ذكر وما علم مما لا يحصى، وعددت عليه النعمة على أن أمه إذ هي نعمة صائرة إليه وبسببه كانت، وقرأ جمهور الناس " أيّدتك " بتشديد الياء، وقرأ مجاهد وابن محيصن " آيدتك " على وزن فاعلتك ويظهر أن الأصل في القراءتين " أيدتك " على وزن أفعلتك، ثم اختلف الإعلال، والمعنى فيهما قويتك من الأيد، وقال عبد المطلب:

الحمد لله الأعز الأكرم   أيدنا يوم زحوف الأشرم
و " روح القدس " هو جبريل عليه السلام، وقوله { في المهد } حال كأنه قال صغيراً { وكهلاً } حال أيضاً معطوفة على الأول. ومثله قوله تعالى:دعانا لجنبه أو قاعداً أو قائماً } [يونس:12] والكهولة من الأربعين إلى الخمسين. وقيل هي من ثلاثة وثلاثين، و { الكتاب } في هذه الآية: مصدر كتب يكتب أي علمتك الخط. ويحتمل أن يريد اسم جنس في صحف إبراهيم وغير ذلك. ثم خص بعد ذلك التوراة { والإنجيل } بالذكر تشريفاً، و { الحكمة }: هي الفهم والإدراك في أمور الشرع، وقد وهب الله الأنبياء منها ما هم به مختصون معصومون لا ينطقون عن هوى. قوله تعالى: { وإذ } في هذه الآية حيث ما تكررت فهي عطف على الأولى التي عملت فيها نعمتي، و { تخلق } معناه: تقدر وتهيىء تقديره مستوياً، ومنه قول الشاعر:

ولأنت تفري ما خلقت وبعـ   ـض القوم يخلق ثم لا يفري
أي يهيىء ويقدر ليعمل ويكمل ثم لا يفعل، ومنه قول الآخر:

من كان يخلق ما يقو   ل فحيلتي فيه قليله
وكان عيسى عليه السلام يصور من الطين أمثال الخفافيش ثم ينفخ فيها أمام الناس فتحيا وتطير بإذن الله. وقد تقدم هذا القصص في آل عمران. وقرأ جمهور الناس " كهيئة " بالهمز، وهو مصدر من قولهم هاء الشيء يهاء إذا ثبت واستقر على أمر حسن، قال اللحياني: ويقال " يهيء " وقرأ الزهري " كهيّة " بتشديد الياء من غير همز وقرأ أبو جعفر بن القعقاع " كهيئة الطائر ". والإذن في هذه الآية كيف تكرر معناه التمكين مع العلم بما يصنع وما يقصد من دعاء الناس إلى الإيمان. وقوله تعالى: { فتنفخ فيها } هو النفخ المعروف من البشر وإن جعل الله الأمر هكذا ليظهر تلبس عيسى بالمعجزة وصدورها عنه.

السابقالتالي
2