الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُقَدِّمُواْ بَيْنَ يَدَيِ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَرْفَعُوۤاْ أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ ٱلنَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِٱلْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ ٱمْتَحَنَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ }

كانت عادة العرب وهي إلى الآن الاشتراك في الآراء وأن يتكلم كل بما شاء ويفعل ما أحب، فمشى بعض الناس ممن لم تتمرن نفسه مع النبي صلى الله عليه وسلم على بعض ذلك، قال قتادة: فربما قال قوم: لو نزل كذا وكذا في معنى كذا وكذا وينبغي أن يكون كذا، وأيضاً فإن قوماً ذبحوا ضحاياهم قبل النبي صلى الله عليه وسلم، حكاه الحسن بن أبي الحسن، وقوماً فعلوا في بعض حروبه وغزواته أشياء بآرائهم، فنزلت هذه الآية ناهية عن جميع ذلك، وحكى الثعلبي عن مسروق أنه قال: دخلت على عائشة في يوم الشك فقالت للجارية: اسقه عسلاً، فقلت: إني صائم، فقالت: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيام هذا اليوم، وفيه نزلت: { لا تقدموا بين يدي الله ورسوله }. وقال ابن زيد: معنى { لا تقدموا } لا تمشوا " بين يدي رسول الله " ، وكذلك بين يدي العلماء فإنهم ورثة الأنبياء. وتقول العرب: تقدمت في كذا وكذا وتقدمت فيه: إذا قلت فيه.

وقرأ الجمهور من القراء: " تُقدِموا " بضم التاء وكسر الدال. وقرأ ابن عباس والضحاك ويعقوب بفتح التاء والدال على معنى: لا تتقدموا، وعلى هذا يجيء تأويل ابن زيد في المشي. والمعنى على ضم التاء { بين يدي } قول الله ورسوله.

وروي أن سبب هذه الآية هو أن وفد بني تميم لما قدم قال أبو بكر الصديق: يا رسول الله لو أمرت الأقرع بن حابس. وقال عمر بن الخطاب: لا يا رسول الله، بل أمر القعقاع بن معبد، فقال له أبو بكر: ما أردت إلى خلافي، ويروى إلا خلافي، فقال عمر: ما أردت خلافك، وارتفعت أصواتهما فنزلت الآية في ذلك. وذهب بعض قائلي هذه المقالة إلى أن قوله: { لا تقدموا } معناه: { لا تقدموا } ولاة، فهو من تقديم الأمراء، وعموم اللفظ أحسن، أي اجعلوه مبدأً في الأقوال والأفعال. و: { سميع } معناه: لأقوالكم. { عليم } معناه: بأفعالكم ومقتضى أقوالكم.

وقوله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا } الآية هي أيضاً في ذلك الفن المتقدم، وروى حيح أنها نزلت بسبب عادة الأعراب من الجفاء وعلو الصوت والعنجهية، و " كان ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه في صوته جهارة، فلما نزلت هذه الآية اهتم وخاف على نفسه وجلس في بيته لم يخرج، وهو كئيب حزين حتى عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره فبعث فيه فأنسه وقال له: " امش في الأرض بسطاً فإنك من أهل الجنة ". وقال له مرة: " أما ترضى أن تعيش حميداً وتموت شهيداً " فعاش كذلك، ثم قتل باليمامة يوم مسيلمة.

السابقالتالي
2