الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ لِّيُدْخِلَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِندَ ٱللَّهِ فَوْزاً عَظِيماً } * { وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَافِقِينَ وَٱلْمُنَافِقَاتِ وَٱلْمُشْرِكِينَ وَٱلْمُشْرِكَاتِ ٱلظَّآنِّينَ بِٱللَّهِ ظَنَّ ٱلسَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً } * { وَلِلَّهِ جُنُودُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً }

قوله تعالى:ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم } [الفتح: 4] معناه: فازدادوا وتلقوا ذلك. فتمكن بعد ذلك قوله: { ليدخل المؤمنين } أي بتكسبهم القبول لما أنزل الله عليهم. ويروى في معنى هذه الآية أنه لما نزلت:وما أدري ما يفعل بي ولا بكم } [الأحقاف: 9] تكلم فيها أهل الكتاب وقالوا: كيف نتبع من لا يدري ما يفعل به وبالناس معه؟ فبين الله في هذه السورة ما يفعل به بقوله:ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر } [الفتح: 2] فلما سمعها المؤمنون، قالوا: هنيئاً مريئاً، هذا لك يا رسول الله، فما لنا؟ فنزلت هذه الآية: { ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار } إلى قوله: { وساءت مصيراً } فعرفه الله تعالى ما يفعل به وبالمؤمنين والكافرين. وذكر النقاش " أن رجلاً من عك قال: هذه لك يا رسول الله، فما لنا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " هي لي ولأمتي كهاتين " ، وجمع بين أصبعيه "

وقوله: { ويكفر عنهم سيئاتهم } فيه ترتيب الجمل في السرد لا ترتيب وقوع معانيها، لأن تكفير السيئات قبل إدخالهم الجنة.

وقوله: { الظانين بالله ظن السوء } قيل معناه من قولهم:لن ينقلب الرسول } [الفتح: 12]، فكأنهم ظنوا بالله ظن السوء في جهة الرسول والمؤمنين، وقيل: ظنوا بالله ظن سوء، إذ هم يعتقدونه بغير صفاته، فهي ظنون سوء من حيث هي كاذبة مؤدية إلى عذابهم في نار جهنم.

وقوله تعالى: { عليهم دائرة السوء } كأنه يقوي التأويل الآخر، أي أصابهم ما أرادوه بكم، وقرأ جمهور القراء: " دائرة السَوء " كالأول، ورجحها الفراء، وقال: قل ما تضم العرب السين. قال أبو علي: هما متقاربان، والفتح أشد مطابقة في اللفظ. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو: " ظن السَوء " بفتح السين. و: " دائرة السُوء " بضم السين، وهو اسم، أي " دائرة السُوء " الذي أرادوه بكم في ظنهم السوء. وقرأ الحسن: بضم السين في الموضعين، وروى ذلك عن أبي عمرو ومجاهد، وسمى المصيبة التي دعا بها عليهم: { دائرة } ، من حيث يقال في الزمان إنه يستدير، ألا ترى أن السنة والشهر كأنها مستديرات، تذهب على ترتيب، وتجيء من حيث هي تقديرات للحركة العظمى، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم:إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض } فيقال الأقدار والحوادث التي هي في طي الزمان دائرة، لأنها تدور بدوران الزمان، كأنك تقول: إن أمراً كذا يكون في يوم كذا من سنة كذا، فمن حيث يدور ذلك اليوم حتى يبرز إلى الوجود تدور هي أيضاً فيه، وقد قالوا: أربعاء لا تدور، ومن هذا قول الشاعر: [الرجز]

السابقالتالي
2