الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّٰتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَٰرُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً } * { لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً } * { وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَان ٱللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً }

لما بالغ عز وجل في عتب هؤلاء المتخلفين من القبائل المجاورة للمدينة لجهينة ومزينة وغفار وأسلم وأشجع، عقب ذلك بأن عذر أهل الأعذار من العرج والعمى والمرض جملة ورفع الحرج عنهم والضيق والمأثم، وهذا حكم هؤلاء المعاذير في كل جهاد إلى يوم القيامة، إلا أن يحزب حازب في حضرة ما، فالفرض متوجه بحسب الوسع، ومع ارتفاع الحرج فجائز لهم الغزو وأجرهم فيه مضاعف، لأن الأعرج أحرى الناس بالصبر وأن لا يفر، وقد غزا ابن أم مكتوم، وكان يمسك الراية في بعض حروب القادسية، وقد خرج النسائي هذا المعنى وذكر ابن أم مكتوم رحمه الله.

وقرأ الجمهور من القراء: " يدخله " بالياء. وقرأ ابن عامر ونافع وأبو جعفر والأعرج والحسن وشيبة وقتادة: " ندخله " بالنون، وكذلك " نعذبه " و: " يعذبه ".

وقوله تعالى: { لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة } تشريف وإعلام برضاه عنهم حين البيعة، وبهذا سميت بيعة الرضوان. والرضى بمعنى الإرادة، فهو صفة ذات. ومن جعل { إذ } مسببة بمعنى لأنهم بايعوا تحت الشجرة، جاز أن يجعل { رضي } بمعنى إظهار النعم عليهم بسبب بيعتهم، فالرضى على هذا صفة فعل، وقد تقدم القول في المبايعة ومعناها.

وكان سبب هذه المبايعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يبعث إلى مكة رجلاً يبين على قريش أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يريد حرباً، وإنما جاء معتمراً، فبعث إليهم خراش بن أمية الخزاعي وحمله على جمل يقال له الثعلب، فلما كلمهم، عقروا الجمل، وأرادوا قتل خراش، فمنعه الأحابيش، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراد بعث عمر بن الخطاب، فقال له عمر: يا رسول الله أنا قد علمت فظاظتي على قريش وهم يبغضونني، وليس هناك من بني عدي بن كعب من يحميني، ولكن ابعث عثمان بن عفان، فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب فلقيه أبان بن سعيد بن العاصي، فنزل عن دابته فحمله عليها وأجاره، حتى إذا جاء قريشاً فأخبرهم، فقالوا له: إن شئت يا عثمان أن تطوف بالبيت فطف، وأما دخولكم علينا فلا سبيل إليه، فقال عثمان: ما كنت لأطوف به حتى يطوف به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إن بني سعيد بن العاصي حبسوا عثمان على جهة المبرة، فأبطأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت الحديبية من مكة على عشرة أميال، فصرخ صارخ من عسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمى رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون، وقالوا: لا نبرح إن كان هذا حتى نلقى القوم، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيعة، ونادى مناديه: أيها الناس، البيعة البيعة، نزل روح القدس، فما تخلف عن البيعة أحد ممن شهد الحديبية إلا الجد بن قيس المنافق، وحينئذ جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على يده وقال:

السابقالتالي
2