الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ سَيَقُولُ لَكَ ٱلْمُخَلَّفُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ شَغَلَتْنَآ أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَٱسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كَانَ ٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً } * { بَلْ ظَنَنْتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ ٱلرَّسُولُ وَٱلْمُؤْمِنُونَ إِلَىٰ أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ ٱلسَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْماً بُوراً }

{ المخلفون من الأعراب } قال مجاهد وغيره: هم جهينة ومزينة ومن كان حول المدينة من القبائل، فإنهم في خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلىعمرته عام الحديبية رأوا أنه يستقبل عدواً عظيماً من قريش وثقيف وكنانة والقبائل المجاورة لمكة، وهم الأحابيش، ولم يكن تمكن إيمان أولئك الأعراب المجاورين للمدينة فقعدوا عن النبي عليه السلام وتخلفوا، وقالوا لن يرجع محمد ولا أصحابه من هذه السفرة، ففضحهم الله في هذه الآية، وأعلم محمد بقولهم واعتذارهم قبل أن يصل إليهم، فكان كذلك، قالوا: شغلتنا الأموال والأهلون فاستغفر لنا، وهذا منهم خبث وإبطال، فلذلك قال تعالى: { يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم } قال الرماني: لا يقال أعرابي إلا لأهل البوادي خاصة، ثم قال لنبيه عليه السلام { قل } لهم: { فمن يملك لكم من الله شيئاً } أي من يحمي منه أموالكم وأهليكم إن أراد بكم فيها سوءاً.

وقرأ جمهور القراء: " إن أراد بكم ضَراً " بفتح الضاد. وقرأ حمزة والكسائي: " ضُراً " بالضم، ورجحها أبو علي وهما لغتان. وفي مصحف ابن مسعود. " إن أراد بكم سوءاً ". ثم رد عليهم بقوله: { بل كان الله بما تعملون خبيراً } ، ثم فسر لهم العلة التي تخلفوا من أجلها بقوله: { بل ظننتم } الآية، وفي قراءة عبد الله: " إلى أهلهم " بغير ياء. و: { بوراً } معناه: فاسدين هلكى بسبب فسادهم. والبوار: الهلاك. وبارت السلعة، مأخوذ من هذا. وبور: يوصف به الجمع والإفراد، ومنه قول ابن الزبعرى: [الخفيف]

يا رسول المليك إن لساني   راتق ما فتقت إذ أنا بور
والبور في لغة أزد عمان: الفاسد، ومنه قول أبي الدرداء: فأصبح ما جمعوا بوراً، أي فاسداً ذاهباً، ومنه قول حسان بن ثابت:
لا ينفع الطول من نوك القلوب وقد   يهدي الإله سبيل المعشر البور
وقال الطبري في قوله تعالى: { يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم } يعني به قولهم: { فاستغفر لنا } لأنهم قالوا ذلك مصانعة من غير توبة ولا ندم، قال وقوله تعالى: { قل فمن يملك } الآية، معناه: وما ينفعكم استغفاري، وهل أملك لكم شيئاً والله قد أراد ضركم بسبب معصيتكم كما لا أملك إن أراد بكم النفع في أموالكم وأهليكم.