الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ } * { فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ ٱلسَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَآءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَآءَتْهُمْ ذِكْرَٰهُمْ } * { فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ ٱللَّهُ وَٱسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ }

لما ذكر تعالى المنافقين بما هم أهله من قوله:أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم } [محمد: 16] عقب ذلك بذكر المؤمنين ليبين الفرق، وشرفهم بإسناد فعل الاهتداء إليهم وهي إشارة إلى تكسبهم.

وقوله تعالى: { زادهم هدى } يحتمل أن يكون الفاعل في { زادهم } الله تعالى، والزيادة في هذا المعنى تكون إما بزيادة التفهيم والأدلة، وإما بورود الشرائع والنواهي والأخبار فيزيد الاهتداء لتزيد علم ذلك كله والإيمان به وذلك بفضل الله تعالى، ويحتمل أن يكون الفاعل في: { زادهم } قول المنافقين واضطرابهم، لأن ذلك مما يتعجب المؤمن منه ويحمد الله على إيمانه، ويتزيد بصيرة في دينه، فكأنه قال: المهتدون والمؤمنون زادهم فعل هؤلاء المنافقين هدى، أي كانت الزيادة بسببه، فأسند الفعل إليه، وقالت فرقة: إن هذه الآية نزلت في قوم من النصارى، آمنوا بمحمد فالفاعل في: { زادهم } محمد عليه السلام كان سبب الزيادة فأسند الفعل إليه. وقوله على هذا القول: { اهتدوا } يريد في إيمانهم بعيسى عليه السلام ثم { زادهم } محمد { هدى } حين آمنوا به. والفاعل في { آتاهم } يتصرف بحسب التأويلات المذكورة، وأقواها أن الفاعل الله تعالى. { وآتاهم } معناه: أعطاهم، أي جعلهم متقين له، فالتقدير: تقواهم إياه. وقرأ الأعمش: " وأنطاهم تقواهم " ، وهي بمعنى أعطاهم، ورواها محمد بن طلحة عن أبيه. وهي في مصحف عبد الله.

وقوله تعالى: { فهل ينظرون } يريد المنافقين، والمعنى: { فهل ينظرون } أي هكذا هو الأمر في نفسه وإن كانوا هم في أنفسهم ينتظرون غير ذلك، فإن ما في أنفسهم غير مراعى، لأنه باطل.

وقرأ جمهور الناس: " أن تأتيهم " فـ { أن } بدل من { الساعة }. وقوله تعالى على هذه القراءة. { فقد جاء أشراطها } إخبار مستأنف والفاء عاطفة جملة من الكلام على جملة. وقرأ أهل مكة فيما روى الرؤاسي " إن تأتهم " بكسر الألف وجزم الفعل على الشرط، والفاء في قوله: { فقد جاء أشراطها } جواب الشرط وليست بعاطفة على القراءة الأولى فثم نحو من معنى الشرط، و. { بغتة } معناه: فجأة، وروي عن أبي عمرو " بغَتّة " بفتح الغين وشد التاء. وقوله: { فقد جاء أشراطها } على القراءتين معناه: فينبغي أن يقع الاستعداد والخوف منها لمن جزم ونظر لنفسه. والذي جاء من أشراط الساعة محمد عليه السلام لأنه آخر الأنبياء، فقد بان من أمر الساعة قدر ما، وفي الحديث عنه عليه السلام أنه قال: " أنا من أشراط الساعة وقد بعثت أنا والساعة كهاتين وكفرسي رهان ". ويقال شرط وشرط: بسكون الراء وتخفيفها، وأشرط الرجل نفسه: ألزمها أموراً. وقال أوس بن حجر: [الطويل]

فأشرط فيها نفسه وهو معصم   وألقى باسباب له وتوكلا

السابقالتالي
2