الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوۤءُ عَمَلِهِ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَاءَهُمْ } * { مَّثَلُ ٱلْجَنَّةِ ٱلَّتِي وُعِدَ ٱلْمُتَّقُونَ فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ ءَاسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي ٱلنَّارِ وَسُقُواْ مَآءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَآءَهُمْ } * { وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُواْ مِنْ عِندِكَ قَالُواْ لِلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ طَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَٱتَّبَعُوۤاْ أَهْوَآءَهُمْ }

قوله تعالى: { أفمن كان } الآية توقيف وتقرير على شيء متفق عليه وهي معادلة بين هذين الفريقين. وقال قتادة: الإشارة بهذه الآية إلى محمد عليه السلام في أنه الذي هو على بينة وإلى كفار قريش في أنهم الذين زين لهم سوء أعمالهم.

قال القاضي أبو محمد: وبقي اللفظ عاماً لأهل هاتين الصفتين غابر الدهر وقوله: { على بينة } معناه على قصة واضحة وعقيدة نيرة بينة، ويحتمل أن يكون المعنى على أمر بين ودين بين، وألحق الهاء للمبالغة: كعلامة ونسابة. والذي يسند إليه قوله: { زين } الشيطان. واتباع الأهواء: طاعتها كأنها تذهب إلى ناحية والمرء يذهب معها.

واختلف الناس في قوله تعالى: { مثل الجنة } الآية، فقال النضر بن شميل وغيره: { مثل } معناه صفة، كأنه قال صفة الجنة ما تسمعون فيها كذا وكذا، وقال سيبويه: المعنى فيما يتلى عليكم مثل الجنة. ثم فسر ذلك الذي يتلى بقوله: فيها كذا وكذا.

قال القاضي أبو محمد: والذي ساق أن يجعل { مثل } بمثابة صفة هو أن الممثل به ليس في الآية، ويظهر أن القصد في التمثيل هو إلى الشيء الذي يتخيله المرء عند سماعه فيها كذا وكذا فإنه يتصور عند ذلك بقاعاً على هذه الصورة وذلك هي { مثل الجنة } ومثالها، وفي الكلام حذف يقتضيه الظاهر، كأنه يقول: { مثل الجنة } ظاهر في نفس من وعى هذه الأوصاف. وقرأ علي بن أبي طالب: " مثال الجنة ". وقرأ علي بن أبي طالب أيضاً وابن عباس: " أمثال الجنة ". وعلى هذه التأويلات كلها ففي قوله: { كمن هو خالد } حذف تقديره: أساكن هذه، أو تقديره: أهؤلاء إشارة إلى المتقين، ويحتمل عندي أيضاً أن يكون الحذف في صدر الآية. كأنه قال: أمثل أهل الجنة { كمن هو خالد } ، ويكون قوله: { مثل } مستفهماً عنه بغير ألف الاستفهام، فالمعنى: أمثل أهل الجنة، وهي بهذه الأوصاف { كمن هو خالد في النار } فتكون الكاف في قوله: { كمن } مؤكدة في التشبيه، ويجيء قوله: { فيها أنهار } في موضع الحال على هذا التأويل. { وماء غير آسن } معناه غير متغير، قاله ابن عباس وقتادة، وسواء أنتن أو لم ينتن، يقال: أسَن الماء: بفتح السين، وأسِن بكسرها.

وقرأ جمهور القراء: " آسِن " على وزن فاعل. وقرأ ابن كثير: " أسن " ، على وزن فعل، وهي قراءة أهل مكة، والأسن أيضاً هو الذي يخشى عليه من ريح منتنة من ماء، ومنه قول الشاعر:

التارك القرن مصراً أنامله   يميل في الرمح ميل المائح الأسن
وقال الأخفش: { آسن } لغة: والمعنى الإخبار به عن الحال، ومن قال: " آسِن " على وزن فاعل، فهو يريد به أن يكون كذلك في المستقبل فنفى ذلك في الآية.

السابقالتالي
2