الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ هَـٰذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ } * { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ إِنِ ٱفْتَرَيْتُهُ فَلاَ تَمْلِكُونَ لِي مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً هُوَ أَعْلَمُ بِمَا تُفِيضُونَ فِيهِ كَفَىٰ بِهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ } * { قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِّنَ ٱلرُّسُلِ وَمَآ أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ وَمَآ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ }

الآيات المذكورة هي آيات القرآن، بدليل قوله: { تتلى } وبقول الكفار: { هذا سحر } وإنما قالوا ذلك عن القرآن من حيث قالوا: هو يفرق بين المرء وبين ولده، وبينه وبين زوجه، إلى نحو هذا مما يوجد مثله للسحر بالوجه الأخس.

وقوله تعالى: { أم يقولون افتراه } ، { أم } مقطوعة مقدرة بـ { بل } وألف الاستفهام. و: { افتراه } معناه: اشتقه واختلقه، فأمره الله تعالى أن يقول: { إن افتريته } فالله حسبي في ذلك، وهو كان يعاقبني ولا يمهلني. ثم رجع القول إلى الاستسلام إلى الله تعالى والاستنصار به عليهم وانتظار ما يقتضيه علمه { بما يفيضون فيه } من الباطل ومرادة الحق، وذلك يقتضي معاقبتهم، ففي اللفظة تهديد. والضمير في قوله: { فيه } يحتمل أن يعود على القرآن، ويحتمل العودة على { بما }. والضمير في: { به } عائد على الله تعالى. و: { به } في موضع رفع، وأفاض الرجل في الحديث والسب ونحوه: إذا خاض فيه واستمر.

وقوله: { وهو الغفور الرحيم } ترجية واستدعاء إلى التوبة، لأنه في خلال تهديده إياهم بالله تعالى جاءت هاتان الصفتان. ثم أمره تعالى أن يحتج عليهم بأنه لم يكن { بدعاً من الرسل } ، أي قد جاء غيري قبلي، قاله ابن عباس والحسن وقتادة. والبدع والبديع من الأشياء ما لم ير مثله، ومنه قول ترجمة عدي بن زيد: [الطويل]

فما أنا بدع من حوادث تعتري   رجالاً عرت من بعد بؤسى وأسعد
وقرأ عكرمة وابن أبي عبلة وأبو حيوة: " بدَعاً " بفتح الدال. قال أبو الفتح، التقدير: ذا بدع فحذف المضاف كما قال [النابغة الجعدي]: [المقارب]

وكيف تواصل من أصبحت   خلالته كأبي مرحب
واختلف الناس في قوله: { ما أدري ما يفعل بي ولا بكم } ، فقال ابن عباس وأنس بن مالك والحسن وقتادة وعكرمة: معناه: في الآخرة، وكان هذا في صدر الإسلام، ثم بعد ذلك عرفه الله تعالى بأنه قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وبأن المؤمنين لهم من الله فضل كبير وهو الجنة، وبأن الكافرين في نار جهنم، والحديث الذي وقع في جنازة عثمان بن مظعون يؤيده هذا وهو قوله: " فوالله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي " ، وفي بعض الرواية: " به " ، ولا حجة في الحديث على رواية " به " ، والمعنى عندي في هذا القول أنه لم تكشف له الخاتمة فقال لا أدري؟ وأما أن من وافى على الإيمان فقد أعلم بنجاته من أول الرسالة وإلا فكان للكفار أن يقولوا: وكيف تدعونا إلى ما لا تدري له عاقبة، وقال الحسن أيضاً وجماعة. معنى الآية: { ما أدري ما يفعل بي ولا بكم } في الدنيا من أن أنصر عليكم أو من أن تمكنوا مني، ونحو هذا من المعنى.

السابقالتالي
2