الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِّنَ ٱلْقُرَىٰ وَصَرَّفْنَا ٱلآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } * { فَلَوْلاَ نَصَرَهُمُ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ قُرْبَاناً آلِهَةَ بَلْ ضَلُّواْ عَنْهُمْ وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } * { وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ ٱلْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوۤاْ أَنصِتُواْ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْاْ إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ }

وقوله: { ولقد أهلكنا ما حولكم } مخاطبة لقريش على جهة التمثيل لهم بمأرب وسدوم وحجر ثمود. وقوله: { وصرفنا الآيات } يعني لهذه القرى المهلكة.

وقوله: { فلولا نصرهم } الآية يعني هلا نصرتهم أصنامهم التي اتخذوها. و: { قرباناً } إما أن يكون المفعول الثاني بـ { اتخذوا } و: { آلهة } بدل منه، وإما أن يكون حالاً. و: { آلهة } المفعول الثاني، والمفعول الأول هو الضمير العائد على: { الذين } التقدير: اتخذوهم. وقوله تعالى: { بل ضلوا عنهم } معناه: انتلفوا لهم حتى لم يجدوهم في وقت حاجة.

وقوله: { وذلك } الإشارة به تختلف بحسب اختلاف القراءات في قوله: { إفكهم } فقرأ جمهور القراء " إفْكُهم " بكسر الهمزة وسكون الفاء وضم الكاف، فالإشارة بـ { ذلك } على هذه القراءة إلى قولهم في الأصنام إنها آلهة، وذلك هو اتخاذهم إياها، وكذلك هي الإشارة في قراءة من قرأ: " أفَكهم " بفتح الهمزة، وهي لغة في الإفك، وهما بمعنى الكذب، وكذلك هي الإشارة في قراءة من قرأ: " أفَكهم " بفتح الهمزة: والفاء على الفعل الماضي، بمعنى صرفهم، وهي قراءة ابن عباس وأبي عياض وعكرمة وحنظلة بن النعمان. وقرأ أبو عياض أيضاً وعكرمة فيما حتى الثعلبي: " أفّكَهم " بشد الفاء وفتح الهمزة والكاف، وذلك على تعدية الفعل بالتضعيف. وقرأ عبد الله بن الزبير: " آفَكَهم " بالمد وفتح الفاء والكاف على التعدية بالهمزة. قال الزجاج: معناه جعلهم يأفكون كما يقال أكفرهم. وقرأ ابن عباس فيما روى قطرب: " آفِكُهم " بفتح الهمزة والمد وكسر الفاء وضم الكاف على وزن فاعل، بمعنى: صارفهم.

وحكى الفراء أنه يقرأ: " أفَكُهم " بفتح الهمزة والفاء وضم الكاف، وهي لغة في الإفك، والإشارة بـ { ذلك } على هذه القراءة التي ليست مصدراً يحتمل أن تكون إلى الأصنام. وقوله: { وما كانوا يفترون } ، ويحتمل أن تكون { ما } مصدرية فلا يحتاج إلى عائد، ويحتمل أن تكون بمعنى الذي، فهناك عائد محذوف تقديره: يفترونه.

وقوله تعالى: { وإذا صرفنا إليك نفراً من الجن } ابتداء قصة الجن ووفادتهم على النبي صلى الله عليه وسلم. و: { صرفنا } معناه: رددناهم عن حال ما، يحتمل أنها الاستماع في السماء، ويحتمل أن يكون كفرهم قبل الوفادة وهذا بحسب الاختلاف هنا هل هم الوفد أو المتجسسون، وروي أن الجن كانت قبل مبعث النبي عليه السلام تسترق السمع من السماء، فلما بعث محمد عليه السلام حرست بالشهب الراجمة، فضاقت الجن ذرعاً بذلك، فاجتمعت وأتى رأي ملئهم على الافتراق في أقطار الأرض وطلب السبب الموجب لهذا الرجم والمنع من استراق السمع ففعلوا ذلك. واختلف الرواة بعد فقالت فرقة: جاءت طائفة من الجن إلى النبي عليه السلام وهو لا يشعر، فسمعوا القرآن وولوا إلى قومهم منذرين، ولم يعرف النبي بشيء من ذلك حتى عرفه الله بذلك كله، وكان سماعهم لقرآنه وهو بنخلة عند سوق عكاظ، وهو يقرأ في صلاة الفجر.

السابقالتالي
2