الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُواْ وَنَتَجَاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِمْ فِيۤ أَصْحَابِ ٱلْجَنَّةِ وَعْدَ ٱلصِّدْقِ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ } * { وَٱلَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَآ أَتَعِدَانِنِيۤ أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ ٱلْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ ٱللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَـٰذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ ٱلْقَوْلُ فِيۤ أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ } * { وَلِكُلٍّ دَرَجَٰتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَٰلَهُمْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ }

قوله تعالى: { أولئك } دليل على أن الإشارة بقوله:ووصينا الإنسان } [الأحقاف: 15] إنما أراد الجنس.

وقرأ جمهور القراء: " يُتَقبَّل " بالياء على بناء الفعل للمفعول وكذلك " يُتجاوز ". وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم فيهما بالنون التي للعظمة " نتقبل " " أحسنَ " بالنصب " ونتجاوز " وهي قراءة طلحة وابن وثاب وابن جبير والأعمش بخلاف عنه. وقرأ الحسن " يَتقبل " بياء مفتوحة " ويَتجاوز " كذلك، أي الله تعالى وقوله: { في أصحاب الجنة } يريد الذين سبقت لهم رحمة الله. وقوله: { وعدَ الصدق } نصب على المصدر المؤكد لما قبله.

وقوله تعالى: { والذي قال لوالديه أف لكما } الآية، { الذي } يعنى به الجنس على حد العموم الذي في الآية التي قبلها في قوله:ووصينا الإنسان } [الأحقاف: 15] وهذا قول الحسن وجماعة، ويشبه أن لها سبباً من رجل قال ذلك لأبويه. فلما فرغ من ذكر الموفق عقب بذكر هذا العاق. وقال ابن عباس في كتاب الطبري: هذه الآية نزلت في ابن لأبي بكر ولم يسمِّه.

وقال مروان بن الحكم: نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وقاله قتادة، وذلك أنه كان أكبر ولد أبي بكر وشهد بدراً وأحداً مع الكفار، وقال لأبيه في الحرب:
لم يبق إلا شكة ويعبوب   وصارم يقتل ضلال الشيب
ودعاه إلى المبارزة فكان بمكة على نحو هذه الخلق، فقيل إن هذه الآية نزلت فيه. وروي أن مروان بن الحكم خطب وهو أمير المدينة فدعا الناس إلى بيعة يزيد، فقال عبد الرحمن بن أبي بكر: جعلتموها هرقلية، كلما مات هرقل ولي هرقل، وكلما مات قيصر ولي قيصر، فقال مروان بن الحكم: خذوه، فدخل عبد الرحمن بيت عائشة أخته أم المؤمنين، فقال مروان: إن هذا هو الذي قال الله فيه: { والذي قال لوالديه أف لكما } فسمعته عائشة، فأنكرت ذلك عليه، وسبت مروان، وقالت له: والله ما نزل في آل أبي بكر من القرآن غير براءتي، وإني لأعرف فيمن نزلت هذه الآية. وذكر ابن عبد البر أن الذي خطب هو معاوية، وذلك وهم، والأصوب أن تكون عامة في أهل هذه الصفات ولم يقصد بها عبد الرحمن ولا غيره من المؤمنين والدليل القاطع على ذلك قوله: { أولئك الذين حق عليهم القول في أمم } وكان عبد الرحمن رحمه الله من أفضل الصحابة ومن الأبطال، وممن له في الإسلام غناء يوم اليمامة وغيره.

وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم وطلحة بن مصرف: " أفِّ " بكسر الفاء بغير تنوين، وذلك فيها علامة تعريف. وقرأ ابن كثير وابن عامر وابن محيصن وشبل وعمرو بن عبيد: " أفَّ " بالفتح، وهي لغة الكسر والفتح.

السابقالتالي
2