الرئيسية - التفاسير


* تفسير المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز/ ابن عطية (ت 546 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَاماً وَرَحْمَةً وَهَـٰذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَاناً عَرَبِيّاً لِّيُنذِرَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَانَ بِوَٰلِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَٰلُهُ ثَلٰثُونَ شَهْراً حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِيۤ أَنْ أَشكُرَ نِعْمَتَكَ ٱلَّتِيۤ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَٰلِحاً تَرْضَٰهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِيۤ إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ }

الضمير في قوله: { ومن قبله } للقرآن، و: { كتاب موسى } هو التوراة. وقرأ الكلبي: " كتابَ موسى " بنصب الباء على إضمار أنزل الله أو نحو ذلك. والإمام: خيط البناء، وكل ما يهتدى ويقتدى به فهو إمام. ونصب { إماماً } على الحال، { ورحمة } عطف على إمام، والإشارة بقوله: { وهذا كتاب } إلى القرآن. و: { مصدق } معناه للتوراة التي تضمنت خبره وأمر محمد، فجاء هو مصدقاً لذلك الإخبار، وفي مصحف عبد الله بن مسعود: " مصدق لما بين يديه لساناً " ، واختلف الناس في نصب قوله: { لساناً } فقالت فرقة من النحاة، هو منصوب على الحال، وقالت فرقة: { لساناً } توطئة مؤكدة. و: { عربياً } حال، وقالت فرقة: { لساناً } مفعول بـ { مصدق } ، والمراد على هذا القول باللسان: محمد رسول الله ولسانه، فكان القرآن بإعجازه وأحواله البارعة يصدق الذي جاء به، وهذا قول صحيح المعنى جيد وغيره مما قدمناه متجه.

وقرأ نافع وابن عامر وابن كثير فيما روي عنه، وأبو جعفر والأعرج وشيبة وأبو رجاء والناس: " لتنذر " بالتاء، أي أنت يا محمد، ورجحها أبو حاتم، وقرأ الباقون والأعمش " لينذر " أي القرآن و: { الذين ظلموا } هم الكفار الذين جعلوا العبادة في غير موضعها في جهة الأصنام والأوثان.

وقوله: { وبشرى } يجوز أن تكون في موضع رفع عطفاً على قوله: { مصدق } ، ويجوز أن تكون في موضع نصب، واقعة موقع فعل عطفاً على { لتنذر } أي وتبشر المحسنين، ولما عبر عن الكفار بـ { الذين ظلموا } ، عبر عن المؤمنين بـ " المحسنين " لتناسب لفظ الإحسان في مقابلة الظلم. ثم أخبر تعالى عن حسن حال المسلمين المستقيمين ورفع الظلم. ثم أخبر تعالى عن حسن حال المسلمين المستقيمين ورفع عنهم الخوف والحزن، وذهب كثير من الناس إلى أن معنى الآية: { ثم استقاموا } بالطاعات والأعمال الصالحات. وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه المعنى: { ثم استقاموا } بالدوام على الإيمان وترك الانحراف عنه.

قال القاضي أبو محمد: وهذا القول أعم رجاء وأوسع، وإن كان في الجملة المؤمنة من يعذب وينفذ عليه الوعيد، فهو ممن يخلد في الجنة وينتفي عنه الخوف والحزن الحال بالكفرة، والخوف هو الهم لما يستقبل، والحزن هو الهم بما مضى، وقد يستعمل فيما يستقبل استعارة، لأنه حزن لخوف أمر ما.

وقرأ ابن السميفع: " فلا خوفُ " دون تنوين.

وقوله: { جزاء بما كانوا يعملون } ، " ما " واقعة على الجزء الذي هو اكتساب العبد، وقد جعل الله الأعمال أمارات على صبور العبد، لا أنها توجب على الله شيئاً.

وقوله تعالى: { ووصينا الإنسان بوالديه } يريد النوع، أي هكذا مضت شرائعي وكتبي لأنبيائي، فهي وصية من الله في عباده.

السابقالتالي
2 3